مراجعات فكرية مطلوبة

00:22 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

من يقرأ بعض التحليلات والتغطيات عن وصول حركة طالبان إلى حكم أفغانستان مرة أخرى بعد عشرين عاماً، يخرج بالعديد من الملاحظات، منها ذلك الاهتمام بما يحدث من تغيرات على الأرض لحظة بلحظة، وهو توجه مفهوم على المستوى الإعلامي، لكنه مصحوب غالباً بنقص في التحليلات الفكرية لما طرأ على الجانب الإيديولوجي للحركة، الذي يبدو في الظاهر أنه يشهد تغيرات، يصفها البعض بالتحول، خاصة مع ذلك الطابع السلمي للأحداث وعفو الحركة عن الموظفين الذين عملوا مع الحكومة السابقة.. إلخ.

البعض يستبشر خيراً بالصورة السابقة، والبعض يصف ما يحدث بأن الحركة استفادت من دروس الماضي، وفريق ثالث ينتظر ما ستسفر عنه الأيام، وهناك من يصف ما يحدث بالتغير الجذري في مبادئ الحركة ومنطلقاتها.. إلخ، ولكن على أي أساس يمكن التأكيد على تحول نوعي في المنظومة الفكرية ل«طالبان»؟ هنا لا نعثر على أحدهم يستند إلى دراسة عن مراجعات قامت بها الحركة لأفكارها المتشددة، أو عن نقلة نوعية حدثت في بنية الحركة التنظيمية، بحيث تقدم إلى الصفوف الأولى في قيادتها «التيار الأكثر اعتدالًا»، ولم يخرج علينا أحد من قادة أو أعضاء «طالبان» للحديث عن رؤيتهم  «الجديدة»، ومواقف يعتقد البعض أنهم غيروها في ما يتعلق بأفكارهم حول: أتباع الأديان الأخرى، وشركاء الوطن الذين لا ينتمون إليهم،.. إلخ.

لنترك الجانب الفكري، ولنعد إلى أرض الواقع، لنذهب مع أولئك الذين ينتظرون ما ستسفر عنه الأحداث، وكأنهم لم يقرأوا عن تاريخ التيارات المتشددة التي وصلت إلى الحكم، ولم يعانوا منها خلال العقد الماضي، مع الأخذ في الاعتبار أن بعض هذه التيارات قامت بمراجعات طويلة لأفكارها وأعلنتها أمام المجتمع ونشرتها في كتب ودخلت في حوارات مع شركاء الوطن السياسيين، وتعهدت بالحكم الصالح واحترام الآخرين وحماية حقوق النساء، ولكن ماذا حدث بعد وصولها إلى الحكم؟ لقد تبخر كل هذا الكلام، وكشفت تلك التيارات عن وجهها المظلم المخاصم للحضارة مع ملاحظة أن التجارب التي نتحدث عنها هنا، وقعت في بلدان صحيح أنها كانت تعاني من مشاكل عديدة، لكنها كانت بلداناً مستقلة منذ خمسينات القرن الماضي وتميزت بتنمية جيدة وانفتاح على العالم وثقافة مدنية ضاربة الجذور وأحزاب سياسية يسارية وعلمانية وقومية وصحافة معارضة ومؤسسات فنية وثقافية، ولعل هذه المفردات أسهمت بقوة في أن تدرك شعوب تلك البلدان سريعاً بؤس «الإخوان».

ولو تتبعنا كل مفردة من المفردات السابقة لن نعثر عليها في أفغانستان، وهو الأمر الذي يستدعي وقوف المجتمع الدولي بجوار هذا البلد عبر تقديم الدعم والمساعدة، لكي تتسارع وتيرة التحديث والتنمية، ولكي ينخرط البلد في العصر ويتحول إلى عضو فاعل في العالم. 

أما طالبان فعليها أن تستوعب متغيرات العقدين الماضيين، وأن الشعب الأفغاني يستحق أن يعيش بحرية وكرامة وسلام، وهي قيم تتطلب من الحركة العمل على المستويات كافة: الفكرية والعملية والسياسية، من أجل إنجاز تجربة مختلفة في الحكم عن تلك التي عرفناها في الماضي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"