من يحمي مطار كابول؟

00:09 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد نورالدين

دخلت حركة «طالبان» العاصمة الأفغانية كابول بأسرع مما كان يتوقعه أحد. حتى روسيا التي كانت تتابع بدقة ما يجري اعترفت بأنها تفاجأت بهذه السرعة.

لكن أيضاً تفاجأ العالم بالطريقة التي انسحبت بها القوات الأمريكية وقائدة الغزو عام 2001 من البلاد وكأنها لم تكن محتلة لهذا البلد منذ عشرين عاماً. وإذا كانت طريقة الهروب من سايجون مذلة بسبب الحرب، فإن طريقة الانسحاب غير مبررة البتة من كابول وتوجه ضربة كبيرة لصورة الولايات المتحدة. حتى دونالد ترامب انتقد طريقة الانسحاب ودعا الرئيس جو بايدن إلى الاستقالة.

لكن التساؤلات لا تزال ترافق الحدث الأفغاني عن طريقة الانسحاب وعن سرعة سيطرة «طالبان» على كل البلاد وخصوصاً العاصمة.

وكشف الحقائق مهمة الأرشيفات التي لا تفتح إلا بعد عقود علماً بأن مذكرات الزعماء الأمريكيين وغير الأمريكيين تكشف في طياتها بعضاً منها.

غير أن لاعباً كاد أن يكون محط الأنظار كلها في المرحلة المقبلة غاب عن الصورة. إنه اللاعب التركي الذي كان يقدر له أن يلعب الدور الرئيسي في كابول إلى حين سيطرة «طالبان».

فالجميع يتذكر في هذه اللحظة كيف أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حمل معه في قمة بروكسل إلى نظيره الأمريكي بايدن اقتراحاً بحماية تركيا لمطار العاصمة كابول بعد انسحاب القوات الأطلسية. أي أن القوات التركية كان يفترض أن تتمركز في المطار في نهاية الشهر الجاري تاريخ الانسحاب الكامل لقوات حلف شمال الأطلسي.

الفكرة التي طرحها أردوغان، على بايدن، كانت مفاجئة لبايدن، الذي مع ذلك تلقفها بارتياح وأعلن عن تفاهم كامل في الاجتماع ليس فقط على حماية تركيا لمطار كابول؛ بل على أشياء أخرى لم يفصح عنها. وقوبل الاقتراح التركي برفض كبير من قبل المعارضة التركية. فحركة «طالبان» أولاً أعلنت أنها ضد بقاء أي قوة لبلد عضو في حلف شمال الأطلسي أو أجنبي. 

فكيف تذهب تركيا إلى بلد ولو بصفتها التركية، لا الأطلسية، وهي لا تحظى بقبول حركة «طالبان». كما أن الرأي العام التركي تساءل ثانياً عن الفائدة الوطنية من إرسال مثل هذه القوة التركية إلى مطار كابول. وكيف يمكن لتركيا أن تعرض حياة جنودها للخطر فيما تنقذ أمريكا جنودها بسحبهم من أفغانستان.ألا يعني ذلك أن تركيا تحولت، لحارس للمصالح الأمريكية؟

لم تأخذ السلطة بانتقادات المعارضة على محمل الجد وواصلت استعداداتها لإرسال القوة التركية إلى كابول. وكان هذا مدار تأكيد من رئيس الجمهورية نفسه ووزيري الدفاع والخارجية وقادة الأركان.

لكن أردوغان كان مصراً على القيام بهذه الخطوة لتسليف بايدن خدمة ثمنها إنقاذ أرواح الجنود الأمريكيين. لكن المقابل كما تجمع التحليلات كان تخفيف الضغوط الاقتصادية الأمريكية على الاقتصاد التركي وكبح جماح انهيار سعر صرف الليرة التركية؛ بحيث يصل أردوغان إلى الانتخابات الرئاسية في عام 2023 وقد ارتاح الاقتصاد التركي قليلاً وتنفس الشعب نسبياً فيحصد أردوغان بعض النقاط  المصيرية في معركة الرئاسة.

اليوم سيطرت «طالبان» على العاصمة كابول قبل أن تدخلها القوات التركية، فكان ذلك إنهاء لهذا الاقتراح وطيه، لكنه لم يكن إنهاء لمفاعيله السياسية داخل تركيا وخارجها. فما بين اتفاق أردوغان- بايدن في 13 يونيو وما بين سقوط كابول بيد «طالبان» شهران فقط، وهذا في علم الاستراتيجيات قصير جداً جداً.

خاسرون كثر من سيطرة «طالبان» على كابول واستعادة حكم خسرته قبل 20 عاماً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"