مراجعات في الأمن والسياسة

00:15 صباحا
قراءة 4 دقائق

عبدالله السناوي

لم تكن السياسة من شواغل حسني مبارك في البدايات، والأرجح أن أنور السادات فضّله على قيادات عسكرية أخرى من الذين لعبوا أدواراً بارزة في حرب أكتوبر أكثر مما لعب هو من أدوار، لأنه الأقل طموحاً والأكثر انضباطاً.

وعى مبارك أكثر من غيره، الحقائق الرئيسية في اختياره المفاجئ منتصف سبعينيات القرن الماضي نائباً للرئيس، والذي يعني  بحقائق السلطة في مصر  ترشيحه مستقبلاً للرئاسة.

ساعده حذره الطبيعي في تجنب مطبات الصدام في كواليس الرئاسة وما حولها، أو احتمالات الخروج من دائرتها.

حرص على أن يذكر كلما أتيحت الفرصة أمامه أنه تلميذ في مدرسة السادات.

وفرت مثل تلك التصرفات أسباباً إضافية للبقاء لخمس سنوات نائباً للرئيس حتى قالت الأقدار كلمتها في حادث المنصة الدموي الذي صعد بعده لرئاسة الدولة.

لم يكن مبارك معنياً بالشأن السياسي الوطني العام أثناء دراسته العسكرية عكس أغلب أبناء دفعته، الذين انضموا إلى تنظيم «الضباط الأحرار»، أو تداخلوا بصورة أو بأخرى في مسار الحوادث الكبرى التي اعترضت مصر أثناء حرب فلسطين وما بعدها من تداعيات وانقلابات وثورة يوليو وما بعدها من تحولات ومعارك.

باستثناء المنازعة على صلاحيات الإشراف في رئاسة الجمهورية مع منصور حسن وزير الإعلام والثقافة المقرب من الرئيس السادات، بعدما أسند إليه منصب وزير رئاسة الجمهورية، فإن سجل مبارك يكاد يخلو من أية منازعات معروفة لها أية خطورة على مستقبله السياسي.

كان منصور حسن منفتحاً على العمل السياسي. رشحه رئيس مجلس الشعب سيد مرعي للرئيس السادات كوجه شاب يمكن التعويل عليه في ضخ دماء جديدة داخل شرايين حزب السلطة الجديد، «الحزب الوطني الديمقراطي»، الذي تأسس على أنقاض حزب سلطة سابق، «حزب مصر العربي الاشتراكي».

كان ذلك الصعود داعياً لقلق مبارك.

حسب رواية استمعت لها من منصور حسن في منزله المطل على نيل جزيرة «الزمالك»، حين كان متاحاً أن نلتقي من وقت لآخر للحديث في الشأن العام واستجلاء ما كان يحدث من نزاعات على السلطة في عهد السادات، فإنه حاول أن يخفف من أحمال القلق وفوائض التوتر دون جدوى.

بطبيعته وغريزته كان مبارك يدرك أصول اللعبة جيداً، لا يناقش الرئيس، وينفذ حرفياً ما يصدر إليه من تعليمات.

ساعدته صفاته وطبائعه في تجاوز مطبات «انتفاضة الخبز» (1977) و«كامب ديفيد» (1978) و«اعتقالات سبتمبر» (1981)، فهو في صف الرئيس دائماً.

توارى السياسي فيه  دائماً  لصالح «الإداري».

صاحبته الصورة نفسها إلى مقعد الرجل الأول وحكمت تصرفاته على مدى ثلاثة عقود متأثراً بخبرته العملية التي أكدت أن صفة «الإداري» مكنته من البقاء في السلطة العليا، بينما خرج منها منافسه القوي منصور حسن، الأقرب إلى السادات، حين بدا أنه مختلف مع بعض قراراته وتوجهاته في ملفات حساسة أدت إلى حادث «المنصة» الدامية في أكتوبر (1981).

صفة «الحذر» لازمت قصة صعوده واستقرت في طريقة إدارته للشؤون العامة.

الحذر من صفات رجال الأمن المدربين، فالخطر قد يأتي من مأمنه، لكنه  في مجال مدح خصاله  غير مؤذٍ، كما كان يقول بعض وزرائه المقربين.

كان مستعداً لغض الطرف، وحتى التسامح، مع أعتى خصومه إذا لم يكن اختلافه السياسي يمثل تهديداً مباشراً لأمن النظام، غير أنه لم يكن يتردد في ممارسة أشد أنواع القسوة إذا كان هناك مثل هذا التهديد.

التردد الذي تجده في حقول السياسة وملفاتها، لم تكن تجد مثيله، أو رديفه في مسائل الأمن.

لم يكن يميل إلى فكرة التغيير إذا ما توافرت أسبابها ودواعيها، ويأخذ على السادات منهجه في «الصدمات السياسية».

قرر أن يكون «ساداتياً» بلا أساليبه، وبلا أدنى استعداد سياسي، أو شبه سياسي، لمراجعة سياساته من عند الجذور والتعرف على الأسباب الجوهرية خارج نطاق الأمن، التي أفضت إلى المنصة.

لم يكن معجباً بالرجل الذي عينه نائباً للرئيس، لكنه التزم بصميم توجهاته الاستراتيجية والاجتماعية التي أرساها.

كان السادات مناوراً سياسياً فيما كان هو إدارياً أبقى على ما يعتقد أنه مستقر مادام يحفظ أمن النظام.

اصطدمت فكرة التغيير  عنده  ب «ركائز الحماية الاجتماعية»، التي تعبر عنها طبقات جديدة نشأت وانتعشت وتوسعت مع «الانفتاح الاقتصادي»، وكما اصطدمت -أيضاً- ب«ركائز الحماية الاستراتيجية»، التي تجسدها علاقات خاصة توصف بأنها غير قابلة للمراجعة مع الولايات المتحدة.

مضى في دعم عناصر الحماية الاجتماعية والاستراتيجية بأكثر مما مضى سلفه، والتحالف مع الولايات المتحدة مضى بعيداً إلى نهاية الملعب الإقليمي، متجنباً أي توترات، مهما كانت الأسباب والدواعي والأزمات والحروب.

لم يكن مستعداً لأي صدام محسوب، أو أية مراجعة للسياسات المتبعة وفق المصالح العليا للبلاد حتى لا تكون العلاقات الأمريكية تسليماً بما يفرض عليه.

استولت عليه فكرة أن الصدام يؤدي إلى الحرب، وأن مصر ليس بوسعها أن تتحدى الولايات المتحدة.

كانت تلك الفكرة من موروثات العصر الذي سبقه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"