خصوصية تجربة

00:11 صباحا
قراءة دقيقتين

علاء الدين محمود

يتميز الحراك الإبداعي والثقافي في الإمارات بوجود حركة فنية وتشكيلية ناهضة، حيث ظهرت الكثير من الأسماء الكبيرة في مجال الفنون الجميلة والتشكيلية، من أصحاب المشاريع الإبداعية الخاصة الذين ينتمون إلى مختلف التيارات الفنية الحديثة والتقليدية، وربما ما يجعل الحركة التشكيلية تحوز تلك الفرادة، هو براعتها في التعبير عن البيئة المحلية على مستويات الألوان والاهتمام بالفولكلور والحكايات والأحاجي الشعبية، وتناول الأمكنة القديمة التراثية والأحياء السكنية (الفرجان). ويشمل ذلك التفاصيل الصغيرة من مبانٍ وبوابات، وكل ما يتعلق بمفردات البيئة في مختلف أشكالها من بحر وصحراء وجبال، وذكريات المكان، أيضاً اهتم الفن التشكيلي بالمفردة الشعرية النبطية والفصحى وحوّلها إلى لوحات، مما زاد من قيمتها الجمالية. 

وكذلك نجد أن العديد من الأعمال الإماراتية في مجال التشكيل والخط العربي، تناقش مفاهيم شديدة الأصالة، مثل الهوية والانتماء والتراث، مما جعلها عامرة بالمعنى وقابلة للتأويل؛ الأمر الذي يشير إلى أن الفنانين الإماراتيين نجحوا في تأسيس حركة تشكيلية نوعية تطورت واشتهرت وعانقت العالمية، وربما كان العامل الأساسي في أن تجد الفنون الإماراتية ذلك القبول والرواج، هو انتماؤها منذ البدء للبيئة المحلية، بمعنى أن تلك الحركة الفنية اتجهت نحو العالمية عبر بوابة المحلية.

لقد أفزرت مسيرة الحراك التشكيلي في الإمارات العديد من الفنانين الذين ارتقوا باسم الإمارات وموروثها وصدّروه إلى العالم، وعلى الرغم من تعدد وتنوع تلك التجارب، فإنها في معظمها قد اهتمت بالبيئة والتراث المحلي، حيث جمعت بين الحداثة والتقليد، أو المعاصرة والأصالة، ومثالاً على ذلك نجد أن الفنانين الذين انتموا إلى تيار الحداثة وما بعدها، رصدت أعمالهم ولوحاتهم واشتغالاتهم الفنية جوانب من التراث والبيئة الإماراتية، حيث نجحوا في التعبير عن فكرة التراث أو التعامل معه كمفهوم ومعنى، مستخدمين في ذلك وسائل وأدوات فنية حديثة.

ولعل اهتمام الفنانين الإماراتيين بالبيئة المحلية، يتضمن فكرة التصاق الفنان بهويته وتراثه، باعتباره نتاج تلك البيئة، فهو يتمثل القيم الجمالية والمبادئ الأخلاقية المرتبطة بها، ويعبر عنها في مشاريعه وأعماله الفنية، كنوع من الالتزام، وذلك الأمر نجده بصورة واضحة في تجارب وأعمال الكثير من الفنانين الرواد من أمثال د. محمد يوسف، ود. نجاة مكي، وعبد الرحيم سالم، وعبد القادر الريس، وعبيد سرور وكريمة الشوملي، ومحمد القصاب، وعبيد سرور، ومحمد مندي، وخالد الجلاف، وإبراهيم العوضي، وغيرهم من الفنانين من أصحاب البصمة الواضحة والمشاريع الفنية التي تجاوزت المحلية ووجدت صدى طيباً وكبيراً على المستويين العربي والعالمي.

وعلى الرغم من أن الأعمال الفنية الإماراتية اتجهت نحو منعطف جديد مغاير مع الفنان الراحل حسن شريف منتصف الثمانينات من القرن الماضي، وظهور ما يعرف بالمفاهيمية في الفن، فإن التعبير عن التراث المحلي ظل موجوداً في الحركة التشكيلية الإماراتية الحديثة، فقد ظلت البيئة على الدوام تلهم الكثير من الفنانين بالأفكار والموضوعات الفنية التي نجدها في صورة رموز ودلالات ومفاهيم تُثري العمل الفني، وتعبر عن خصوصية التجربة الإماراتية في التعامل مع التراث والثقافة المحليين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحفي وكاتب سوداني، عمل في العديد من الصحف السودانية، وراسل إصدارات عربية، وعمل في قنوات فضائية، وكتب العديد من المقالات في الشأن الثقافي والسياسي، ويعمل الآن محررا في القسم الثقافي في صحيفة الخليج الإماراتية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"