عادي

إفريقيا.. حلبة صراع بين الغرب و«التنين»

21:32 مساء
قراءة 5 دقائق
Video Url
1

كتب: المحرر السياسي

بعد أن رزحت القارة الإفريقية لعقود طويلة تحت استعمار الإمبراطوريات الأوروبية منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر، والتي لا تزال ترتبط حتى الآن بعلاقات وثيقة مع دولها اقتصادياً وسياسياً، فإن تنامي النفوذ الصيني في القارة الإفريقية على الصعيدين السياسي والاقتصادي، يبدو أنه بدأ يثير حنق دول القارة العجوز التي ترى أحقيتها في الاستفادة من علاقاتها المتجذرة مع إفريقيا، خاصة أن العملاق الصيني يضخ استثمارات ضخمة ويمارس قوته الناعمة التي يقول الأوروبيون إنها تهدف إلى إعادة توجيه مسار القارة السمراء إلى الشرق الآسيوي، بفضل ما تتمتع به إفريقيا من موارد طبيعية ضخمة وآفاق اقتصادية واعدة.

يقول مراقبون أوروبيون بارزون إن الصين ومن خلال توسيع حجم استثماراتها في إفريقيا، وتبنيها لبعض المبادرات والمشاريع المالية العملاقة، تسعى إلى رسم خارطة جيوسياسية جديدة واستقطاب إفريقيا إلى أحضانها بعد انتشالها من براثن النفوذ الأوروبي والأمريكي، بهدف تعزيز نفوذها العالمي الذي بدأت معالمه في الظهور خلال السنوات الماضية، لكن الدلائل تُظهر بأن التنين الصيني يتبنى قاعدة بسيطة، تتمثل في أن توسيع نطاق الاستثمارات وتنويع القاعدة التجارية لثاني أكبر اقتصاد عالمي، سيؤدي بطبيعة الحال إلى تنمية نفوذها السياسي الذي تغلغل في الكثير من دول العالم.

تدرك كبرى الاقتصادات العالمية، أن السبيل الذي تسلكه الصين واستخدامها مجموعة متنوعة من الأدوات التي تتضمن القوة الناعمة الدبلوماسية والثقافية وحتى العسكرية التي تأتي على شكل مساعدات للدول الأكثر حاجة، بطريقة تجمع بين الدهاء والنظرة الاستراتيجية طويلة المدى، ستؤدي في النهاية إلى أن تصبح القوة العالمية المهيمنة، حتى وإن لم يكن ذلك هدفها من الأساس، لكنه وكلما ازداد حجم استثماراتها ومصالحها التجارية في أنحاء متفرقة من العالم، فإن ذلك سيعني بطبيعة الحال زيادة نفوذها وتأثيرها على الدول التي تحتضن تلك المصالح، فإذا ما أخذنا في الاعتبار التوجهات الحالية لدول القارة السمراء في التحول نحو تطوير اقتصاداتها ومحاولاتها الانعتاق من التبعات السلبية التي خلّفتها الحقبة الاستعمارية، فإنها تضع مصالحها التجارية على رأس أولوياتها، وذلك في ظل النهج المختلف لأوروبا في التعاطي مع دول إفريقيا، والذي يبدو أنه يركز على تحقيق المصلحة الأوروبية استناداً إلى تاريخها الاستعماري معها، عوضاً عن تحقيق مبادئ المصالح المشتركة التي تطبقها الصين حالياً.

منصة للتعاون

لطالما كانت القارة الإفريقية من المنظور الصيني الحلقة المفقودة في الطريق نحو العالمية، فكانت مجالات التعاون الكبيرة مع دولها الباب الذي فتح المجال للعملاق الصيني لترسيخ أقدامه في قارة تمتاز بموارد وإمكانيات اقتصادية مهولة إذا ما أحسن استخدامها، ورأت الصين أن ذلك هو السبيل لبلوغ المستوى المنشود من القوة والنفوذ استناداً إلى مفهوم المصالح المشتركة بين الجانبين، فقد وقف الصينيون إلى جانب العديد من الدول الإفريقية في العديد من قضاياها، من بينها إعفاء ديون نحو 32 دولة وتقديم معونات اقتصادية وغيرها، وفي المقابل وفرت تلك الدول كل التسهيلات الممكنة اعترافاً بالجهود الصينية ومواقفها الإيجابية، وهو ما نتجت عنه ثقة متبادلة بين الجانبين، وتوافقاً من حيث القيم والمصالح التي أدت في النهاية إلى الانخراط في سلسلة من النشاطات والمبادرات والمشاريع.

وفي خضم المخاوف التي تعتري عمالقة السياسة والاقتصاد حول العالم بالتزامن مع طرق التنين الصيني أبواباً جديدة وسرعة خروجه من محيطه الآسيوي خلال العقدين الماضيين، تؤكد الصين أنها ترى إفريقيا منصة للتعاون والتكامل عوضاً عن كونها ميداناً للتنافس والصدام، وهو ما سيمكنها من إعادة إحياء طريق الحرير الذي كان بمثابة شريان الحياة للتجارة الصينية العابرة للحدود. يتمثل قلق القوى العالمية من مبادرة الحزام والطريق في احتمالية ميل ميزان القوى الاقتصادية لصالح العملاق الصيني، إضافة إلى التحفظات التي تشير إلى أن استقلالية أوروبا ستكون عرضة للخطر، وهو ما عبر عنه صراحة مسؤولون بارزون في المفوضية الأوروبية. ومما أثار غضب الأوروبيين في هذا الجانب، الحماس الذي أظهرته إيطاليا تجاه المبادرة، بالتزامن مع الوعود الصينية بضخ استثمارات كبيرة إلى إيطاليا وجعلها مركزاً إقليمياً للتجارة والربط مع الأجزاء الأخرى من العالم.

اليوان يقلق واشنطن

تشير معظم التحليلات أيضاً إلى أن الحرب التجارية التي كانت موجهة ضد الشركات الصينية العملاقة، والتي أشعل شرارتها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، كانت أحد الأدوات التي استخدمتها الإدارة في محاولة لكبح جماح التوسع الصيني وتهديده بتقويض الهيمنة الأمريكية سياسياً وتجارياً، لكن رياح تلك الحرب أتت كما لا تشتهي سفن واشنطن؛ حيث اكتسب اليوان الصيني قوة إضافية جعلت منه أخيراً العملة العالمية الثالثة بعد الدولار واليورو، على الرغم من أن الضرائب والرسوم الأمريكية كانت تهدف بشكل غير مباشر إلى إضعاف اليوان وبالتالي وقف التسارع المضطرد للنفوذ الصيني على كافة الصعد.

وفي ظل النمو الكبير لحجم التجارة المتبادلة بين الجانبين، والذي بلغ نحو 180 مليار دولار في عام 2020، لتصبح بذلك الصين الشريك التجاري الأكبر للقارة السمراء، فإن حجم الاستثمارات الصينية المباشرة للقارة سجل نمواً كبيراً خلال السنوات الأخيرة، من نحو 100 مليون دولار في عام 2003، إلى ما يفوق 100 مليار دولار حالياً، تتوزع بين قطاعات البنى التحتية والطاقة والصناديق الاستثمارية وغيرها، وتعد دول مثل إثيوبيا وجنوب إفريقيا ومالي في صدارة قائمة الاستثمارات الصينية المتنوعة، إلى جانب أنها تقوم بتدريب بعض الجيوش وتمتلك قواعد عسكرية فيها.

نسبة نمو سريعة

إفريقيا هي ثاني أسرع الأقاليم نمواً في العالم وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، وتمتلك الكثير من المقومات التي تستطيع بها دولها تحقيق معدلات نمو كبيرة، فعدد سكانها سيتخطى ملياري نسمة بحلول عام 2050، وهي نسبة نمو سريعة جداً بالنظر إلى أن عدد سكانها حالياً يحوم حول 1.3 مليار نسمة، إضافة إلى أن الصندوق توقع أن يبلغ اقتصادها 5 تريليونات دولار بنهاية العقد الجاري. الصين أدركت هذه الحقيقة وتمكنت من التعامل مع القارة بطريقة أكثر حداثة من الأوروبيين والأمريكيين الذين تفادوا التعمق في علاقاتها مع إفريقيا، بسبب الصراعات الدامية التي كانت تشهدها القارة بين الفينة والأخرى، والتوجه العام بعدم الانجرار وراء تلك النزاعات واستنفاذ القوة والمال فيها، ولم تدرك بأن هناك من يتحين الفرصة للدخول إليها وترسيخ أقدامها فيها والانطلاق منها إلى مستوى الهيمنة العالمية.

إن الأسئلة الأهم التي تتبادر إلى أذهان الكثير من المراقبين، تتمثل فيما إذا كانت القارة الإفريقية ستتحول إلى حلبة تتصارع فيها القوى العالمية لإثبات نفوذها وهيمنتها، أم أن إفريقيا ستقول كلمتها وتصطف إلى جانب من يعينها على تحقيق أهدافها التنموية والاجتماعية، وسترسم إجابات تلك الأسئلة المعالم الجديدة للخارطة الجيوسياسية العالمية وعلاقة القارة السمراء بالقوى العالمية المتصارعة فيما بينها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"