أزمة «التأليف» في لبنان

00:29 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

على الرغم من البداهة السياسية التي تفترض أن يكون للبنان حكومة أسوة بكل دول العالم، فإن عملية «التأليف» الحكومي تحولت إلى حالة افتراضية في واقع يظل محكوماً بمواقف الأطراف والكتل السياسية المتصارعة في الساحة الداخلية، والتسويات التي قد تنشأ في الإقليم، والتطورات الدولية ومدى انعكاساتها بشكل أو بآخر على لبنان.

هذا الواقع يجعل من عملية «التأليف» الحكومي في لبنان حالة فريدة من نوعها، خصوصاً وأن أبوابه مشرعة لكل التجاذبات المحلية والإقليمية والدولية، وبالتالي يصعب التكهن بموعد محدد لولادة حكومة مقيدة بشروط ومواصفات معينة، يضغط المجتمع الدولي لكي تبصر النور وتتحمل مسؤولياتها في القيام بالإصلاحات المطلوبة وإخراج البلد من سلسلة الأزمات التي تعصف به، اقتصادياً ومالياً واجتماعياً وصحياً ومعيشياً والتي دفعت أغلبية اللبنانيين إلى ما تحت خط الفقر، وتبدأ بمعالجة تداعيات كارثة مرفأ بيروت وبعدها كارثة عكار، ثم تجري المفاوضات اللازمة مع صندوق النقد الدولي والدول المانحة للحصول على المساعدات المطلوبة، وتبقي لبنان في دائرة الهيمنة والتبعية لها. 

والأسوأ من ذلك، أن ترك البلد على هذا النحو يدفع للقبول بفكرة تنفيس الاحتقان السياسي الذي يكاد أن ينفجر جراء الكيدية السياسية والمصلحية للأطراف المتصارعة على السلطة، والتي تصر على إبقاء البلاد تحت هيمنة طبقة سياسية فاسدة ونظام سياسي مهترئ أوصلا البلاد إلى هذه الحالة، وترفض إفساح المجال أمام الكوادر الوطنية من أصحاب الاختصاص والكفاءات لتحمل مسؤولياتهم في قيادة البلاد وإصلاح الكوارث التي خلفتها أنظمة الحكم السابقة وإعادة بناء الدولة، أجهزة ومؤسسات، على أسس القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان.

 وبالتالي فإن ما يحدث على صعيد تشكيل الحكومة الجديدة أو ما يسمى عملية «التأليف»، وفق المصطلح اللبناني، يصطدم ليس فقط بالعلاقات الشخصية والأجواء الإيجابية من عدمها بين الجهات المسؤولة عن عملية «التأليف»، أو الخلاف على توزيع الحقائب الوزارية والأسماء التي ستشغلها، وإنما بالدستور نفسه والنظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية، الذي ثبت أنه يقدم مصلحة الطوائف والأحزاب والقوى السياسية على مصلحة الشعب والوطن، حتى ولو وصل الشعب إلى مرحلة الجوع والهلاك والوطن إلى حافة الإنهيار. وهو ما يجعل من عملية تشكيل الحكومة تراجيديا لبنانية كاملة، لا حل لها إلا بتغيير النظام من أساسه حتى لو اقتضى ذلك تغيير الدستور أو تعديله والتخلص من «تصنيم» صيغة 1943 التي عفا عليها الزمن، والشروع في تحديث النظام والدولة والمؤسسات.

 لقد أثبت اللبنانيون، على الدوام، أنهم قادرون على التعايش والعيش معاً بعيداً عن نظام المحاصصة الطائفية والحزبية، وأنهم يتوقون إلى إقامة نظام وطني ديمقراطي تحكمه دولة القانون والمؤسسات. وهذا ما يدفع الطبقة السياسية الفاسدة للتمسك بالنظام الطائفي خشية من فقدان مصالحها وامتيازاتها أو تعرضها للمساءلة عن الكوارث التي تسببت بها، وبالتالي فإن عملية «التأليف» تحولت إلى جزء من منظومة متكاملة تبدأ بالعلاقات الشخصية وقد لا تنتهي إلا بتسويات إقليمية أو دولية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"