تحديات تواجه مؤتمر جوار العراق

00:12 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

من المقرر أن تشهد العاصمة العراقية بغداد القمة المنتظرة لدول جوار العراق أواخر الشهر الجاري، وسط كم هائل من التحديات التي تواجه تلك القمة من داخل العراق وخارجه، لكن ما هو أهم هو ما ستكشفه هذه القمة من نوايا ومواقف كل الأطراف الداخلية والخارجية، لما يمكن تسميته ب«عراق المستقبل» الطامح إلى الانعتاق من قيوده المفروضة عليه، منذ غزوه واحتلاله أمريكياً عام 2003، سواء عن قناعة دول مهمة ترى أن من مصلحتها الإبقاء على العراق «معزولاً»، أو ذلك الصراع الإيراني الأمريكي الجهنمي على أرض العراق.

ولشدة الحرج الذي يواجه رئيس الحكومة العراقية ظل موعد انعقاد هذا المؤتمر غائماً، وغير محدد، باستثناء القول إنه سيُعقد أواخر الشهر الجاري دون تحديد يوم بعينه، وظل هذا الإخفاء أو التردد حاكماً للموقف الرسمي العراقي، خشية ألا يُعقد المؤتمر، والأسباب التي كانت تهدد انعقاده كثيرة، منها أن كثيراً من القوى السياسية الرافضة لشخص مصطفى الكاظمي، وخاصة بعض قادة ميليشيات «الحشد الشعبي» الموالية لإيران، لا تريد تمكين الكاظمي من تحقيق نجاحات، سواء كانت هذه النجاحات في ملف الوجود العسكري الأمريكي في العراق بعد جولة الحوار الاستراتيجي الأخيرة التي وإن كانت قد خلقت قناعة شعبية بحتمية الرحيل الأمريكي الكامل عن العراق، فإنها فتحت في الوقت ذاته، باب التساؤل عن: متى سيرحل الإيرانيون أيضاً عن العراق؟ سؤال يخشاه زعماء تلك الميليشيات ولا يريدونه؛ لذلك فهم يخشون أن يفتح مؤتمر جوار العراق هذا الملف.

ومن أسباب رفض تلك الميليشيات أيضاً لانعقاد مؤتمر جوار العراق، أن ينجح هذا المؤتمر في فتح صفحة جديدة من العلاقات مع جواره العربي الذي يرونه انفتاحاً سيكون حتماً على حساب الوجود والنفوذ الإيرانيين في العراق.

الصراع على المشاركة في الانتخابات العامة التي ستجرى في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل وعودة تهديدات تنظيم «داعش» الإرهابي لأمن واستقرار المناطق القريبة من العاصمة العراقية وبالذات منطقة الطارمية، كلها رسائل للعرقلة ضمن رسائل أخرى لا تقل أهمية تهدد فرص انعقاد ونجاح هذا المؤتمر.

هناك أسباب أخرى خارجية وبالتحديد من أطراف إقليمية ودولية ما زالت مترددة في أمر «انعتاق العراق» من العزلة المفروضة عليه، ومن خطر عودته إلى امتلاك فرص التقدم والاستقرار، وتشكك في الاختيارات السياسية العراقية الجديدة على مصالحها في العراق «الضعيف والمعزول قسرياً»، على نحو وجود مواقف سلبية من مسعى رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي للتنسيق الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي مع مصر والأردن، تحت مسمى «الشام الجديد»، ومثل تقارب العراق مع دول الخليج، ومثل الحصول على دعم أمريكي بشراكة استراتيجية ممتدة، ومثل نجاح العراق في القيام ببعض الوساطات الناجحة بين أطراف متعددة، وكلها مؤشرات تقول إن هناك فرصاً حقيقية أمام العراق لوضع أقدامه على الطريق الصحيح للاستقرار والتقدم كدولة موحدة، أو على الأقل متحدة، خاصة أن هذا الاستقرار الأمني والسياسي المنشود هو الذي يهيئ فرص تدفق الاستثمارات إلى العراق.

مؤتمر جوار العراق بمن سيحضرونه، سيكون مرآة كاشفة للمواقف الحقيقية للدول المشاركة، من العراق أولاً، ولبعضها بعضاً ثانياً. فالحضور له رسالته الإيجابية وعدم الحضور له رسالته السلبية، والمعنى هنا بالإيجابية والسلبية ليس العراق وحده؛ بل العلاقات الثنائية بين تلك الدول، خاصة الدول المتصارعة أو على الأقل «المتخاصمة» أو المتشككة في نوايا كل منها للأخرى. وسيبقى التحدي الأهم لكل هؤلاء الذين وجهت لهم دعوى المشاركة: هل لديهم القدرة على تجاوز الصراعات والخلافات والمواجهة وجهاً لوجه على أرض العراق.

السؤال مهم إذا أخذنا في الاعتبار أن الدعوة وجهت إلى قادة دول الجوار الست، باستثناء سوريا، التي كانت إحدى أهم عقبات انعقاد المؤتمر، والتي ما زالت مثار رفض أمريكي.

التحدي الخارجي للمؤتمر لا ينافسه غير التحديات العراقية الداخلية، وخاصة ملفا الانتخابات والانعكاسات الداخلية للأحداث الأفغانية، في ظل إصرار مقتدى الصدر وأطراف أخرى، على مقاطعة الانتخابات. مخاطر أخذت تطرح السؤال الصعب: هل يمكن أن تُجرى تلك الانتخابات في موعدها؟

وجاءت الأحداث الأفغانية. فالرحيل الأمريكي بكل ما له من أبعاد درامية بدد الثقة بما يُعرف ب«الموازن الخارجي» وزاد من خشية حلفاء إيران في الداخل العراقي على مصالحهم الخاصة ما يجعلهم أكثر خشية من مؤتمر الجوار وما يمكن أن يحمله من رسائل تخص الوجود والنفوذ الإيرانيين في العراق.

وكلها حسابات ستفرض نفسها على مؤتمر جوار العراق ونتائجه المرجوّة، على الأقل من منظور رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي وطموحاته.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"