فرنسا في دول الساحل الإفريقي

00:08 صباحا
قراءة 3 دقائق

نبيل سالم

أعلنت فرنسا عن تقليص كبير للوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، حيث تكافح باريس المسلحين «الإسلامويين» منذ ما يقرب من عقد، وشددت على أن جيوش دول الساحل «قادرة على مواجهة» أعدائها.

وفي مؤتمر صحفي قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن عملية «برخان» الحالية ستنتهي، ليصير الوجود الفرنسي جزءاً من القوة الدولية «تاكوبا» التي سيشكل «مئات» من العسكريين الفرنسيين «عمودها الفقري، لا سيما أن فرنسا تنشر حالياً أكثر من 5000 عسكري في منطقة الساحل التي تمتد عبر إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وتشمل ستة بلدان إفريقية».

وشدد ماكرون على أن الانسحاب سيعني إغلاق القواعد الفرنسية والاقتصار على القوات الخاصة التي ستركز على عمليات مكافحة الإرهاب والتدريب العسكري.

وتتكون عملية «تاكوبا» التي من المنتظر أن تتولى المهمة من «برخان»، حالياً من نحو 600 عنصر من القوات الخاصة من دول الاتحاد الأوروبي، نصفهم فرنسيون، يتمركزون في مالي ويشارك فيها أيضاً 140 عنصراً سويدياً، وعشرات من الإستونيين والتشيكيين. ولم تنجح فرنسا في حشد دعم كبير للعملية من حلفائها الأوروبيين. هذا الإعلان الفرنسي لابد أن يقابل بالارتياح من قبل كثير من القوى الوطنية في الدول الإفريقية، ذلك أن أي شعب من الشعوب لا يستسيغ بقاء وجود أجنبي في بلاده، أياً كانت اليافطة التي جاء تحتها والشعارات التي يتخذها ذريعة لتواجده.

لكن اللافت في الإعلان الفرنسي هو ذلك التشابه الكبير بينه وبين إعلان الولايات المتحدة حول انسحابها من أفغانستان، حيث يبدو التنصل من المسؤوليات تجاه شعوب هذه الدول التي كانت تنتظر أن تفي القوى الأجنبية بوعودها المعلنة على الأقل، وهي إعادة الاستقرار إلى هذه الدول، ومساعدة شعوبها على بناء ما تسميه حياة ديمقراطية.

فبعد عشرين عاماً تخرج القوات الأمريكية من أفغانستان، متناسية كل الوعود التي سوقت بها وجودها في هذا البلد، وعلى رأسها إقامة نظام ديمقراطي؛ لا بل يبدو الانسحاب الأمريكي أشبه ما يكون بعملية تسليم أفغانستان لحركة طالبان التي غزت أمريكا البلاد لإخراجها من السلطة، والقضاء على تنظيم القاعدة.

وعلى الرغم من كثير من التساؤلات التي تثار حول الدوافع الحقيقية، فإن أكثر المحللين لا يستبعدون أن يكون الانسحاب الأمريكي من أفغانستان مجرد تخطيط سياسي وضعته الاستخبارات الأمريكية للصين وروسيا، بهدف إشعال منطقة آسيا الوسطى بحروب طاحنة، لصالح السياسة والمصالح الأمريكية في ظل السياسة «البراجماتية» التي تتبعها واشنطن حيال كثير من القضايا العالمية، ولذلك فإن إمكانية تطور العلاقة بين طالبان وواشنطن أمر وارد على الرغم مما يظهر من تباين بين الطرفين، وهو ما يعيد إلى الأذهان تلك العلاقة التي كانت قائمة بين «القاعدة» والولايات المتحدة إبان الحقبة السوفييتية، حيث شكلت «القاعدة» في حينه، رأس حربة في الحرب الباردة التي كانت قائمة آنذاك.

ونلاحظ أنه تماماً كما أثار وصول طالبان إلى السلطة في أفغانستان، مخاوف كثير من الدول في العالم، لا يخفي كثير من المراقبين

تخوفهم من تكرار النموذج الأفغاني في دول الساحل لاسيما مالي التي تخشى تكرار سيناريو ما حدث في أفغانستان في الفترة الأخيرة، حيث أيقظت الأحداث التي شهدتها البلاد خلال الأيام الماضية، لدى المواطنين في مالي شبح سقوط العاصمة باماكو على غرار سقوط كابول، عند الانسحاب الفرنسي.

ولو قارنا بين ما قامت به الولايات المتحدة في أفغانستان، وما تقوم به فرنسا في دول الساحل الإفريقي، سنرى أن هناك تشابهاً في الأهداف المعلنة للتدخل، وتطابقاً في الفشل أيضاً، فلا أفغانستان نعمت بالديمقراطية التي وعدت واشنطن بالسعي إلى تحقيقها، ولا الدول الإفريقية التي تدخلت فيها فرنسا ذاقت الاستقرار السياسي بعد، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار التقارير التي تؤكد أن الجماعات المسلحة في مالي والساحل أكثر قوة وسيطرة وتمدداً، ما يعني أنها قد تصبح أمراً واقعاً تماماً، كما هو حال طالبان في أفغانستان.

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا، هو: هل دخلت فرنسا مالي لمحاربة الإرهاب فعلاً، وهل ذهبت الولايات المتحدة إلى أفغانستان لنشر الديمقراطية ومحاربة الإرهاب أم إنها مجرد شعارات؟.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"