عادي

تعرف إلى الطاعون القرمزي

15:29 مساء
قراءة دقيقتين
كناب
كتاب

الشارقة: «الخليج»
في نهاية رواية جاك لندن «الطاعون القرمزي» يحكي الجد جيمس هاورد سميث، أستاذ الأدب الجامعي السابق لثلاثة من أحفاده «البرابرة»، في عام 2072، عن حضارة كانت مزدهرة ذات يوم على الكوكب، يقص عليهم أنباء الأطباء المشعوذين السحرة، وكيف يسخرون بعقول البشر، وهم في النهاية مجموعة من الكذابين، ويقص أيضاً حكاية السلاح الفاتك «البندقية»، وكيف استخدمه البعض للهيمنة على الآخرين، وقصة البخار، وقصة الكتب ودورها في تهذيب الإنسان، لم تكن من حكاية مغرية للأطفال الذين لم يتجاوز أكبرهم الثانية عشرة إلا المشعوذ والبندقية، والهدف السيطرة على الآخرين، لم يداعب البخار أو الكتب مخيلة البدائيين، لا يوجد فيهما ما يغري، فالعلم والثقافة لاحقان لكل جوهر إنساني يتأسس على العنف والكذب وغريزة الهيمنة والتحكم.
لماذا انهارت الحضارة، ومتى حدث ذلك؟ في عام 1912 يكتب لندن هذه الرواية متخيلاً العالم سنة 2012، حيث يصل عدد البشر إلى ثمانية مليارات نسمة، في أمريكا تبدأ فترة حكم الرئيس مورجان الخامس، وفي العام التالي مباشرة يجتاح الأرض وباء «الطاعون القرمزي»، ذلك القاتل اللامرئي الفاتك الذي يقضي على الإنسان في ظرف ساعة واحدة: «بمجرد أن تظهر أول علامات المرض، تبدأ نبضات القلب في التسارع، ودرجة حرارة الجسم في الارتفاع، ثم ينتشر الطفح القرمزي فوق الوجه والجسم»، الأمر الجديد في هذا الطاعون هو سرعة التحلل: «بمجرد أن يقضي المريض نحبه، جثمانه يتمزق على الفور إلى قطع كثيرة، أو يذوب بينما تنظر إليه»، لم يعرف أحد كيف تطور الطاعالبون إلى هذا الشكل، ولا يقدم السارد سميث تفسيراً سوى ارتفاع أعداد سكان الكوكب فوق ما تحتمل طاقته الاستيعابية.
يشرح سميث لأحفاده المرض وأعراضه، يستهلك الكثير من الوقت والجهد وهو في السابعة والثمانين ليعرفهم إلى فكرة الجرثومة، بالنسبة لأطفال شبه عراة يرعون الماعز، لا يمكن لهم أن يصدقوا حكاية عن كائن لا مرئي لا متناه في الصغر يدخل إلى جسم الإنسان ليفتك به، ولذلك يخرج أحد الأطفال سهمه الصغير واصفاً البشر الذين ماتوا نتيجة للطاعون بالجبناء حيث لم يثبتوا له ويقاتلوه وجهاً لوجه حتى يقضوا عليه. يقول الطفل هارليب: «لكنك لم تر تلك الجراثيم يا جداه. وها أنت تثرثر وتثرثر عنها، كأنها شيء حقيقي، على الرغم من أنها ليست شيئاً..أي شيء لا تراه ليس موجوداً، أليس كذلك؟! تقاتلون أشياء غير موجودة أصلاً!، لابد أنكم كنتم حمقى في هذه الأيام، ولهذا هلكتم..أنا لا أستطيع أن أصدق هذا الهراء الذي تحكيه».
لا يوجد في حكي لندن أي ملمح يحيل إلى المستقبل، هو يتحدث عن 150 عاماً تفصله بين كتابة الرواية وأحداثها المتخيلة، ولا من سبب واضح للمرض، ولا توجد هناك إدانة قوية للحضارة وتقلباتها مما أدى إلى انهيارها، ربما كان يود القول إن الطاعون الحقيقي يكمن في قلبك أيها الإنسان وفي بربريتك، أما المرض فمجرد عرض لوباء التحضر الكاذب الذي يسكننا جميعاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"