مسارات المبادرة

00:37 صباحا
قراءة دقيقتين

فيصل عابدون

وجه رئيس الوزراء السوداني الدكتور عبدالله حمدوك مبادرته الإصلاحية إلى جهات رئيسية تبدأ بالأحزاب الحاكمة أو ما اصطلح على تسميتها بحاضنة الحكومة الانتقالية وشركاء المرحلة الانتقالية من الحركات المسلحة المتمردة السابقة، بالإضافة إلى المكون العسكري في الحكم الانتقالي الذي يتضمن الجيش القومي وميليشيات الدعم السريع وجهاز الأمن والمخابرات، وينتهي بجماهير الشعب السوداني العريضة وفعالياته الاجتماعية والدينية.

وبينما اعتبرت مبادرة الإصلاح الأحزاب والشركاء والمكون العسكري الأطراف الرئيسية المسؤولة عن استفحال الأزمة السياسية التي باتت تهدد الاستقرار وتنذر بزوال التحول الديمقراطي المأمول ، فإنها أدرجت الشعب السوداني صاحب المصلحة الحقيقية في الاستقرار ضمن قائمة المخاطبين بمبادرة الإصلاح من الشفافية وأحقيته الأصيلة في أن يعرف حقيقة ما يجري في أروقة وكواليس الحكومة والأخطار والمشاكل التي تهدد البلاد . ففي غياب وجود البرلمان الانتقالي تسعى المبادرة إلى استنهاض الإرادة الشعبية كي تقوم بدورها في الرقابة والمحاسبة على أداء الحكومة وشاغلي المناصب العامة.

 ومن بين ملفات التقصير العديدة دقت المبادرة جرس الإنذار بشأن تعيين البرلمان الانتقالي على الرغم من أهميته البالغة في هيكل الحكم الديمقراطي ورغم مرور عامين على تسلم الأحزاب المتحالفة والمجلس العسكري مقاليد السلطة في السودان . 

لقد انتقدت المبادرة تقاعس الأحزاب السياسية المتحالفة الممسكة بزمام السلطة عن الاتفاق على إنشاء المجلس التشريعي الانتقالي بسبب الخلافات حول نصيب كل منها في المقاعد واللجان المكونة للبرلمان، ويمثل العجز والتقاعس عن الاتفاق على قيام البرلمان الانتقالي مظهراً واحداً من مظاهر الخلافات المحتدمة التي تعصف بمكونات التحالف الحاكم العسكرية والمدنية على السواء.

وكشفت المبادرة عمق الخلافات بين الأحزاب المتحالفة التي تتولى زمام السلطة، كما أوضحت أن العلاقات بين أطراف المكون العسكري ليست على ما يرام أو على ما ينبغي لها أن تكون، وباختصار فقد كشفت مبادرة رئيس الوزراء أن المشهد الانتقالي يعاني حالة من الانقسام والتشظي وأن هذا الوضع مثير للقلق ويهدد الاستقرار.

وفي واقع الأمر فإن خلافات الشركاء هي واقع موضوعي، وبالإمكان توقع حدوثه؛ فالتحالف المدني يضم طيفاً من الاتجاهات السياسية المؤدلجة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ولا يجمع بينهما قاعدة فكرية مشتركة وهو طيف يستند إلى تاريخ طويل من الصراعات الحزبية التي تسببت في انهيار التجارب الديمقراطية السابقة وسقوطها واحدة تلو الأخرى.

غابت الأحزاب السودانية فترة طويلة عن العمل السياسي الدستوري داخل بلادها وبعضها أصابها الجمود وبعضها كان في حالة سبات ثم استيقظ بشكل مفاجئ، ولكن عندما اختفى الاستبداد اندفعت بكلياتها إلى حلبة الصراع على السلطة واقتسام المناصب، الأمر الذي سرّع في تدهور الخدمة العامة وفاقم معاناة المواطنين وضاعف من النقمة والغضب الشعبي.

لقد أصبح رئيس الوزراء حمدوك رمانة ميزان السياسة السودانية فهو الشخصية الأكثر حيادية ولا ينتمي لأي من الأحزاب المتصارعة وهو الشخصية الأكثر قبولاً على المستوى الشعبي بشكل خاص، على عكس قيادات الأحزاب التي حولت مؤسساتها السياسية إلى قواقع منكفئة على ذاتها وبعيدة عن هموم الشعب وتطلعاته وعذاباته.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"