نحو أيلول لبنان المبلل بالجحيم الثالث

00:32 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. نسيم الخوري

طرحت صحفية على الرئيس ميشال عون في مؤتمره الصحفي في القصر الجمهوري (21 أيلول 2020)، سؤالاً ينطوي على ثلاثة أسئلة قد تتضمن إجاباتها وبنبرة مغلفة بالمعارضة. أجابها. سألته مجدداً: إذاً إلى أين نحن ذاهبون؟ قال في لحظة حرج واحتقان سياسي لصعوبة تشكيل الحكومة: «إلى الجحيم».

يسحبني الأمر إلى فنون المقابلات الإعلامية والأسئلة والأجوبة التي حاضرت فيها وأرسيتها في كلية الإعلام ونشرت فيها دراسات وكتابين. يمكننا اختصار المقابلات بكلمتين: «إذا كان السؤال هو الحياة فالجواب هو الموت». نحن نسأل عمّا نجهل لنعرف لا لنجرح ناصبين الأفخاخ بكوننا نعرف فنسأل من موقع أو للإحراج. تنتهي الأسئلة بعلامات الاستفهام المرسومة على شكل الأذن وتحتها النقطة أي شحمة الأذن. يُستحب الإصغاء العاقل للجواب لا السماع والمجادلة، في المؤتمرات، لأن فرقاً كبيراً وخطِراً ومربكاً بين السماع والإصغاء. النقطة تحت علامة الاستفهام تأتي مقنعة وقد تنفتح على أسئلة متعددة حوارية راقية وفقاً للمجال لا على ألغام. هو حال إعلاميينا المتجاوزين لسلطتهم الرابعة وكأنها بلا سياج أو هي سلطة السلطات فتختلط الحرية بالمسؤولية والأسئلة بالأجوبة تحت الأقنعة الديمقراطية. وهنا ملاحظتان:

1- طارت كلمة الجحيم في الفضاء شعاراً يومياً، وتحوّلت الحياة إلى موت شعبي تندرج تحتها كوارث لبنان كلها التي لا معنى لتكرارها هنا بعدما سئمها العالم وبها تطفح بها وسائل التواصل الاجتماعي والكيديات السياسية المرتجلة التي تُشكّل «البيغ داتا» اللبنانية الضخمة التي تصب في وادي السيليكون.

2- يتداول اللبنانيون رابطين بلاوعيهم الشعبي كلمة الجحيم الرئاسية، بكلمات وأسرار حافلة بالخوف والتخويف من شهر أيلول القادم 2021 إلى نصائح لا تنتهي بالتموين وكأننا على أبواب حروب شرسة في لبنان، لأن أياماً دموية وجحيماً ثالثاً بالانتظار بسبب الإخفاق مجدداً بتأليف حكومة.

3- من الخطورة بمكان ربط 33 سنة من عمر اللبنانيين بأيلول 2021 المنتظر وأيلول ال2020 الماضي القائل بالجحيم رجوعاً بنا نحو أيلول 1989 الأكثر عنفاً في تاريخ لبنان، وكأن أيلول لبنان يجب أن يكون مبللاً بالدماء بدلاً من المطر.

كانت ال1989. كان لبنان إلى مائدة النار الأخيرة.. قبل دخوله مرحلة السلام. بدأت تلك المرحلة في23 أيلول 1989، موعد انتهاء ولاية أمين الجميّل؛ حيث تم في الربع ساعة الأخيرة تشكيل حكومة عسكرية برئاسة العماد ميشال عون وقد تعطّلت يومها جلسة انتخاب رئيس الجمهورية (18آب 1989)؛ حيث رفض ميشال عون وسمير جعجع قيام حكومة برئاسة النائب بيار حلو. انشطرت بيروت وأقصي المجلس النيابي عن أداء دوره وتشظّت مؤسسات الدولة مما وضع البلاد أمام خيارات صعبة ليس أصعبها الفصل الدرامي والدامي من الحروب الشرسة التي دارت بصورة مفاجئة بين الجيش اللبناني والقوات اللبنانية.

استمر لبنان إلى مائدة النار من 30 أيلول 1989؛ حيث رفعت اللجنة الثلاثية العليا تقريرها إلى القادة العرب مرفقة «بوثيقة الوفاق الوطني» التي شكّلت موضوع اللقاء النيابي في مدينة الطائف من 30 /9 / 1989 حتى1989/10/22 تاريخ إقرار اللقاء النيابي لهذه الوثيقة التي صُدقت في القليعات في 5 /11/ 1989 وانتخب رينيه معوض رئيساً للجمهورية موكلاً للدكتور سليم الحص رئاسة الوزارة في 1989/11/13. وجاء اغتيال معوض 1989/11/23 الصدمة الهائلة التي دفعت النواب إلى انتخاب النائب الياس الهراوي رئيساً 1989/11/24، وكان الهجوم على قصر بعبدا منهياً مرحلة عون في 13 تشرين الثاني 1990 حكم بعدها الرئيس الهراوي تسع سنوات ما سُمي بالجمهورية الثانية التي تسلّمها منه العماد إميل لحود عام 1998.

هكذا بدأت مرحلة انتهاء الحروب عام 1990-1991 وتوحد الجيش وحُلّت الميليشيات، وتسلّمت الدولة المرافئ والمرافق العامة والمؤسسات. كان هذا يرضي قسماً كبيراً من اللبنانيين؛ بل يساعد على تلمّس ملامح الجمهورية الثانية، في الوقت الذي كان وما زال يُغضب فريقاً آخر منهم معارضين لهذه الملامح والأفكار، تمكنوا من الصمود قليلاً أمام إعادة بناء سلطات الدولة من جديد وتعزيز حضورها.

وإذا قلنا إن الدساتير تولد من النقاش والحوار والممارسة كما من روح الإعلام والتواصل بين الفرقاء لا من الخارج وبتأثيرات الخارج، فإن مقارعة الفكر بالفكر والطائفة بالطائفة والموقف بالموقف أوجدت اتفاقاً جديداً بإرادة دولية من خلال الولايات المتحدة الأمريكية، ومع توافق صامت أوروبي وإخراج عربي وقبول نصف لبناني أثمرت وثيقة الوفاق الوطني وغدت دستوراً لم يُكرّس بعد بديلاً عن صيغة 1943.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم الإنسانية، ودكتوراه في الإعلام السياسي ( جامعة السوربون) .. أستاذ العلوم السياسية والإعلامية في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية ومدير سابق لكلية الإعلام فيها.. له 27 مؤلفاً وعشرات الدراسات والمحاضرات..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"