عادي
على هامش الحكاية

أشهر فرسان شارلمان مصنوع من الهواء

22:37 مساء
قراءة دقيقتين

الشارقة:«الخليج»

عندما يعترفون بوجودك فإنك بالفعل تكون قد اختفيت؛ ذلك ما تخلص إليه رواية «الفارس الخفي» لإيتالو كالفينو، أو ذلك ما تنتهي إليه حياة الكثير من البشر على وجه الدقة، أولئك الذين لا ينالون الاعتراف إلا بعد رحيلهم، أو أولئك الذين يعبرون في حياتنا والذين لا نشعر بهم على الإطلاق. في الحالتين هم يعيشون بيننا ولكنهم غير مرئيين لنا.

يطرح كالفينو في روايته مسألة كيف يمكن للمرء تعلم أن يكون موجوداً، وكأنه يسأل كل قارئ: هل أنت موجود بالفعل؟، وكيف تدرك ذلك؟ السرد يأتي أحياناً على لسانه، كروائي مهيمن متحكم في النص، وفي أحيان أخرى على لسان راهبة دير، تيودورا، والتي كلفتها الأم المعظمة بقص حكاية الفارس المخفي.

إن أهم فارس في جيش الإمبراطور شارلمان العظيم، موجود وغير موجود في الوقت نفسه، هو «آجيلولفو إيمو برتراندينو» المغوار الذي يقود أقوى كتيبة بجيش شارلمان، صاحب الرداء الأبيض والخوذة المميزة ذات الريشة المزينة بألوان قزح، والدروع الحديدية التي تغطي أجزاء جسده، والذي يضفي وجوده «على بقية الجيش مظهراً أكثر حقيقية»، هذا الفارس الذي يمر به شارلمان وهو يتفقد جيشه ليطالبه بكشف وجهه، يرفض، وعندما يسأله شارلمان عن السبب يقول له «لأنني غير موجود يا مولاي»، اللافت هنا سؤال الإمبراطور، فالسرد سوف يظهر لاحقاً أن كل الجيش يعرف حالة الفارس، وبالطبع شارلمان يعرف أيضاً، ولكن نحن الذين نقع في فخ الشك، ما يدفعنا إلى مواصلة القراءة بنهم لنعرف أبعاد ذلك الفارس، ولا يبخل عليه كالفينو بتلك المعرفة؛ حيث نتأكد بعد صفحات قليلة من ذلك الحوار أن زي هذا الفارس الجميل والحديدي لا يضم إلا الهواء.

1

آجيلولفو فارس مميز لا يشق له غبار، يقدم مثاليات الفرسان على كل شيء، حالم بدرجة ما، منضبط بصورة تثير الإعجاب، شجاع ولا يخشى شيئاً، ينفذ الأوامر على أكمل وجه، تصيبه مفردات مثل الفوضى أو الجبن أو الإهمال.. في مقتل، هذا «الهواء» سيصدمنا بمفاجآت عديدة، هو محصن ضد الكآبة والبؤس والحزن، تلك المشاعر التي تعتري الكائنات الإنسانية الأخرى، ومن هنا مواقفه دائماً متعالية، وفي مشاهد أخرى سنعرف أنه لا ينصاع للحب أو الشهوة، ولا يأكل أو يشرب أو ينام، هو مجرد «هواء» لا تدور كلماته أو تشغل حكاياته أو تنهمك أفكاره إلا في عالم الفرسان. ومن هنا كراهية الجيش له، وضيق شارلمان أحياناً...وكأن هذا «الهواء» لا يذكرهم إلا بواجبهم تجاه القتال وبمهمتهم في تطهير الأرض من «الوثنيين».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"