علم الميثولوجيا

00:09 صباحا
قراءة دقيقتين

تطور الاهتمام بالأسطورة في الغرب إلى درجة أن أصبحت علماً هو علم «الميثولوجيا»، والذي تبلور في أواخر القرن الثامن عشر، وبرز العديد من المختصين الذين تناولوا أساطير التكوين والمعتقدات، وقد كان الشعر واحداً من المجالات المهمة لدارسي ذلك العلم؛ حيث احتشدت الملاحم الغربية بذكر الأساطير والحكايات الفلكلورية الشعبية، فكانت تلك النصوص الملحمية محل دراسة وبحث من قبل النقاد والمختصين في علم «الميثولوجيا».
عرف العرب الأسطورة وقد تناولها الشعراء في العصر الجاهلي وصاغوها شعراً؛ حيث كانت القصائد في ذلك العصر محتشدة ببقايا الأساطير، أو ربما تظهر في شكل ظلال خفيفة أو رموز في بعض النصوص الشعرية في ذلك الزمن، لكونها كانت منتشرة بين مجتمعات القبائل العربية، وقد جاءت تلك الأساطير متشكلة من العديد من العناصر، فهناك المعتقدات القديمة، والرموز الحضارية، والحكايات عن كائنات خفية وخارقة، وقد برزت تجليات تلك الأساطير في صورة ممارسات أو عادات قديمة، ونسجوا أشعاراً حول بعض النباتات والحيوانات؛ بل وكذلك بعض الجمادات وظنوا أن روحاً ما غريبة تسكنها؛ لذلك لطالما جاء ذكر كثير من الوقائع والحيوانات والأماكن التي ترمز إلى قصة أسطورية أو خرافية في الشعر الجاهلي، وكثر الحديث عن المخلوقات الغريبة مثل العنقاء والغيلان، لكن تلك النصوص والملاحم العربية خلت من ذكر أبطال أسطوريين على عكس ما حفلت به النصوص الغربية؛ بل ظلت الأسطورة محصورة في الحكايات والرموز والتقاليد والطقوس.
ولعل أكثر ما يثبت أثر الأسطورة في الحياة العربية، أنها لم تتلاش تماماً من الأدب والشعر في العصر الإسلامي وما بعده، فقد تم توظيف الرمزية الأسطورية في النصوص التي سادت في تلك العصور؛ حيث عمل الشعراء على الاستفادة من رمزيّة ما تبقى من الأساطير القديمة ومن ثم إدخالها في المتن الشعري في حالات التشبيه، أو كأسلوب من أساليب المبالغة والغلّو في القول، وقد وردت في تلك الأشعار الكثير من ذكر الكائنات الغريبة مثل الغول والسُعلاة، والهامة والعنقاء، كما تم توظيف العديد من الحكايات القديمة.
 وظلت بقايا الأسطورة وظلالها حاضرة في الشعر العربي الحديث، بمضامينها الجمالية؛ حيث استفادت النصوص الحديثة في الشعر من توظيف الأسطورة كعملية مستمرة لم تنقطع، وانفتح الباب واسعاً في هذا المجال لمختلف أنواع الأساطير غربية وشرقية وغيرها من حكايات العالم القديم، ولكن يلاحظ تراجع التوجه للأساطير العربية، وظهر ما يُعرف ب«الانزياح الأسطوري»؛ أي تعديل الأديب أو الشاعر للأسطورة الأصلية وتكييفها كما يشاء بما يلائم قصده في شعره أو نثره، وسبب هذا التعديل هو اختلاف المجتمعات بين القديم والحديث، وحتى تبدو القصة ملائمة للعصر الراهن، وظهرت الأسطورة كذلك من خلال «التجلي»، والذي يُقصد به الإشارات الأسطورية التي ترد في نص شعري معيّن، وأيضاً عبر «الإسقاط»، أو الاستفادة من قصة أسطورية قديمة لأجل محاكمة الراهن الاجتماعي والثقافي، وهنالك الكثير من شعراء الحداثة سواء الذين كتبوا النص النثري أو شعر التفعيلة قد وظفوا الأسطورة بصورة أو أخرى في أشعارهم ومن أبرزهم: بدر شاكر السيّاب، وعبدالوهاب البياتي، وخليل حاوي، وصلاح جاهين ومحمود درويش وغيرهم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحفي وكاتب سوداني، عمل في العديد من الصحف السودانية، وراسل إصدارات عربية، وعمل في قنوات فضائية، وكتب العديد من المقالات في الشأن الثقافي والسياسي، ويعمل الآن محررا في القسم الثقافي في صحيفة الخليج الإماراتية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"