عادي

لماذا إسبانيول الابن العاق لكتالونيا؟

12:01 مساء
قراءة 6 دقائق
مباريات قطبي كتالونيا دائماً صاخبة
مباريات قطبي كتالونيا دائماً صاخبة

إعداد: معن خليل
شأنها شأن «الديربيات» في العالم، هناك عداوة تاريخية بين الناديين الجارين برشلونة وإسبانيول، ويختلط فيها السياسي والكروي والاجتماعي، كحالة خاصة تختلف كلياً عن مواجهات الجيران التقليدية، لذلك فإن السلطات تعتبر لقاءات الفريقين عالية الخطورة أمنياً.
ومع عودة إسبانيول إلى دوري الدرجة الأولى «الليغا» بعد موسم واحد في الدرجة الثانية، ساهم برشلونة مباشرة في هبوطه بعدما فاز عليه في مباراة مفصلية، فإن العداوة التقليدية ستظهر من جديد، كما حدث خلال لقاء الفريقين في الكأس عام 2018 والذي أقيم في ملعب «كورانيلا إلبرت» الخاص بنادي إسبانيول، حيث تعرض مدافع برشلونة جيرارد بيكيه الذي يعد الرمز الكروي لاستقلال كتالونيا للشتائم والهتافات المناوئة التي طالت أيضاً جميع أعضاء الفريق، مع رفع أعلام إسبانيا بكثرة في المدرجات، وهو الأمر الذي يكرهه الكتالونيون المتعصبون لقوميتهم ويطالبون بالانفصال عن إسبانيا.
وانتظر بيكيه وجمهور برشلونة حتى مباراة الإياب في الكأس من نفس العام ليردوا بطريقة مستفزة، حيث تمت إهانة جمهور إسبانيول، في حين قال المدافع الشهير عن المنافس بأن نادي إسبانيول ليس من كتالونيا بل من كورانيلا، حيث يقع ملعبه في المدينة التي تعد إحدى بلديات مقاطعة برشلونة، ويبلغ عدد سكانها نحو 85 ألف نسمة.
وما كان يقصده بيكيه، هو أن إسبانيول لا يمثل إقليم كتالونيا بل مدينة صغيرة تتبع له، وهو بذلك ينفي انتماءه إلى المقاطعة التي تطالب بالانفصال عن إسبانيا، وهو أصاب في ذلك، على اعتبار أن النادي الذي يعتز بالملكية في شعاره، يعد بالنسبة للأغلبية العظمى من الكتالونيين «الابن العاق»، وهم يفضلون نادي برشلونة عليه ويعدونه ممثلهم الكروي الوحيد في وجه ريال مدريد الذي يمثل بالمعنى العام أيضاً «النظام الملكي».
ويمكن العودة إلى الزمن الماضي لتبيان سبب هذه العداوة التي تجعل من«ديربي كتالونيا» مثيراً وعدائياً إلى هذه الدرجة، علماً أنه بمعنى المنافسة الكروية لا يوجد أي تكافؤ بين الفريقين، على اعتبار أن برشلونة هو الأعلى كعباً، ويكفي أنه فاز 25 مرة بلقب الدوري الإسباني في حين أن إسبانيول لم يحرزه طوال تاريخه.
كما أن الغلبة واضحة لصالح برشلونة على مر تاريخ لقاءات الفريقين التي بدأت عام 1928، حيث تواجها في 212 مباراة في كافة المسابقات، ففاز برشلونة 124 مرة وإسبانيول 44 مرة فقط وتعادلا 44 مرة.
طرد قياسي
وهناك الكثير من الأحداث والوقائع التي تؤكد العداوة بين الفريقين والمجريات المثيرة التي تحكم مبارياتهما، حيث تحمل موقعة 13 ديسمبر 2003 بينهما الرقم القياسي في البطاقات الحمراء في تاريخ الدوري الإسباني «الليغا»، حيث طرد ثلاثة لاعبين من كل فريق.
والتقى الفريقان في ذهاب الدوري عام 2003 وافتتح جوردي التسجيل لإسبانيول الذي كان يلعب على ملعبه في الدقيقة الثامنة، ثم عادل برشلونة بعد دقيقتين فقط عبر البرازيلي رونالدينيو، ومع الوصول إلى الدقيقة 36 كان برشلونة يتقدم 3-1، قبل أن تبدأ حفلة الطرد والتي ضمت المكسيكي ماركيز والبرتغالي كواريسما والهولندي كوكو من برشلونة، وإيفان دي لابينا وألبرتو لوبو وتوني سولدفيلا من إسبانيول.
كانت هذه المواجهة الحمراء ضمن مسلسل طويل من العداء، بدأ منذ تأسيس برشلونة على يد المهاجرين السويسريين والإنجليز في إقليم كتالونيا عام 1899، واتخذ بعده النادي مسار حماية الهوية الكتالونية وتعزيز ثقافتها وآرائها السياسية القديمة في المطالبة بالاستقلال عن إسبانيا ومواجهة الملكية.
في المقابل، فإن جزءاً قليل من سكان إقليم كتالونيا كانت له وجهة نظر سياسية مختلفة، وأراد مواجهة نادي برشلونة عبر إنشاء نادي إسبانيول الذي شكل اسمه عند تأسيسه عام 1900 تحدياً كبيراً لأبناء المدينة الآخرين، علماً أن إسبانيول يفتخر بأنه أول ناد إسباني تأسس على يد المشجعين الإسبان وليس الأجانب.
وما زاد النقمة على إسبانيول من قبل سكان إقليم كتالونيا أنه كان أحد الأندية التي رعاها الملك الإسباني، وأعطى لها حق استخدام كلمة «ريال»، إضافة إلى استخدام التاج الملكي على الشعار، وهذا الحق منح لإسبانيول في عام 1912 بواسطة الحاكم ألفونسو الثالث عشر، وأصبح النادي معروفاً بعد ذلك بـنادي ريال إسبانيول الرياضي، علماً أنه من أوائل الأندية التي حصلت على التاج الملكي، بل سبق ريال مدريد ابن العاصمة في نيل هذا الشرف.
وفي عام 1918، نظمت كتالونيا حملة تطالب فيها الحكومة الإسبانية بنظام للحكم الذاتي، وقد أيد نادي برشلونة هذا الطلب، ومنذ ذلك الحين أطلقت الصحافة الكتالونية عليه تسمية «برشلونة نادي كتالونيا»، في المقلب الآخر رفض إسبانيول هذه الدعوة وأصر على تأييد الملكية، والمفارقة أن الأمر نفسه تكرر بعد نحو 100 عام بعدما أكد نادي إسبانيول في عام 2017 أنه يقف على الحياد ويؤمن بالحوار، وهو ما جعل الصحف الكتالونية تؤكد أن «إسبانيول خائن لقضية كتالونيا في عقر دارها».
وتعمقت المشاكل بين برشلونة وإسبانيول في فترة حكم ميجيل بريمو دي ريفيرا ثم فرانشيسكو فرانكو «الجنرال فرانكو»، وكان برشلونة يؤمن أنه يتعرض للاضطهاد من قبل الرجلين بسبب حمله للقضية الكتالونية، في حين كان إسبانيول مقرباً منهما ويتلقى دعمهما.
ورغم تأكيد إسبانيول في فترات لاحقة تبنيه للكتالونية كلغة رسمية له، إلا أن وقوفه دائماً على الحياد في قضايا الانفصال جعله دائماً «الابن الضال» الذي يتعرض للاضطهاد والاتهامات والعدائية من قبل أبناء مدينته، وأكثر من ذلك يتهم إداريو ولاعبو وأنصار إسبانيول غريمهم بأنه يتمتع بامتيازات داخل إقليم كتالونيا لا يحصلون عليها هم، ولاسيما أن صحف كتالونيا في أغلبها تدعم دائماً برشلونة في مبارياته واستحقاقاته وتبرز نجومية لاعبيه، في المقابل تتجاهلهم تماماً وكأنهم ينتمون إلى مدينة أخرى.
 وكان جوان كويت رئيس نادي إسبانيول السابق صرح في إحدى مقابلاته: «فقط اتركونا نعيش بسلام وكفوا أيدي الصحف عنا»، وما كان يقصده كويت هنا هو الحملات الإعلامية التي تشن ضد ناديه واتهامه بعلاقته الجيدة بنادي ريال مدريد الذي يقوم بإعارة العديد من اللاعبين له، كما أن صحف كتالونيا تتهم لاعبي إسبانيول بالتخاذل قبل مواجهات النادي الملكي.

تامودو بطل لإسبانيول بعدما حرم برشلونة من لقب الدوري
تامودو بطل لإسبانيول بعدما حرم برشلونة من لقب الدوري

تامودازو
رغم الفوارق الفنية بين الفريقين التي تصب كلياً لصالح برشلونة، ورغم اعتبار قمة كتالونيا، بأنها أكثر الديربيات في العالم غير المتوازنة من ناحية النتائج، فان إسبانيول كان قادراً في بعض المحطات على توجيه بعض الأذية لجاره اللدود، ولم ينس جمهور نادي برشلونة حتى الآن ما فعله إسبانيول في 8 يونيو عام 2007، حين حقق تعادلاً تاريخياً مع فريقهم 2-2 في ملعب «الكامب نو» في الجولة قبل الأخيرة من الدوري الإسباني، مما جعل لقب «الليغا» يذهب لريال مدريد.
والمثير أن جمهور إسبانيول مازال يذكر تلك المباراة، وجعل من راؤول تامودو مسجل هدف التعادل في الدقيقة 89، بطلاً تاريخياً في النادي، كما أطلق على تلك المواجهة «تامودازو»، التي تعني «نكسة تامودو» بالنسبة لبرشلونة.
في تلك المباراة الشهيرة كان برشلونة بحاجة إلى الفوز على إسبانيول ليقترب من التتويج بلقب الدوري الإسباني، كونه يملك نفس نقاط غريمه ريال مدريد قبل مرحلتين من الوصول إلى نهاية البطولة، ولكن إسبانيول هو من تقدم عبر راؤول تامودو في الدقيقة 28 وعادل الأرجنتيني ليونيل ميسي الذي كان في بداياته، النتيجة في الدقيقة 42 وسجل ميسي هدف التقدم في الدقيقة 51، لكن تامودو وعندما بدأ أنصار برشلونة بالاحتفال سجل التعادل 2-2 قبل دقيقة من نهاية الوقت الأصلي.
وفي حين عم السكون استاد «الكامب نو» احتفل لاعبو إسبانيول باللاعب تامودو وحملوه، وجعلوه أيقونة بعد ذلك، وهو مازاد الكراهية بين الطرفين، على اعتبار أن ريال مدريد هو من استفاد من ذلك، فعلى الرغم من تعادله مع ريال سرقسطة في نفس المرحلة بقي متقدماً على برشلونة بفارق المواجهات المباشرة، وأحرز اللقب لاحقاً بعد فوزه في الجولة الأخيرة على ريال مايوركا.
وكان لافتاً أن تامودو عندما أعلن اعتزاله كرة القدم في عام 2015 عن عمر 27 سنة خرجت الصحف الإسبانية والعالمية بعناوين جاء فيها «اعتزال أكثر لاعب يكرهه جمهور برشلونة».
وجاء في أحد التقارير عن الاعتزال: «تظن الغالبية أن النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو هو أكثر لاعب مكروه من جماهير نادي برشلونة، هذا صحيح لكن بالطبع ينافسه على هذا اللقب وربما يتفوق عليه راؤول تامودو، الذي ظل أسطورة حية بين نجوم كرة القدم الإسبانية رغم قلة شهرته عالمياً، فهو لم يلعب لفريق كبير، لكن جماهير برشلونة تعرفه جيداً ولها معه ذكريات سيئة، فيكفي أنه سرق من «كامب نو» لقب الليغا وأهداه للغريم اللدود ريال مدريد في 2007، وحتى بعد رحيله عن إسبانيول الذي يعد الهداف التاريخي له وانتقل لرايو فايكانو، كان جمهور البرسا يخصص أسوأ استقبال ممكن لتامودو بوابل من صافرات الاستهجان والشتائم، وتخصص تامودو في هز شباك عملاق كتالونيا، حيث سجل في مرماه ثمانية أهداف، منها هدفان نقلا لقب الدوري من إقليم كاتالونيا إلى العاصمة في ختام موسم 2006-2007 الذي يصنف بالأكثر إثارة في تاريخ الليغا».

تاج الملكية الذي يكرهه أبناء كتالونيا يعلو شعار إسبانيول
تاج الملكية الذي يكرهه أبناء كتالونيا يعلو شعار إسبانيول

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"