أسئلة مستقبل التراث

00:24 صباحا
قراءة دقيقتين

هل بقي للعرب متّسع من الوقت للتفكير جدياً في ما يمكن فعله إزاء الميراث الأدبي؟ نحن أمام أكثر من خمسة عشر قرناً من الدفق الإنتاجي، شعراً ونثراً، إبداعاً وغير إبداع، لكن من دون غربلة جيّدة استثمارية، ذلك أن الشعر مفهوم ملتبس في الذهن العربي، منذ الجاهلية إلى العقود الأولى من القرن العشرين.
 طوال قرون التاريخ كان يُشترط فيه توافر الحكمة، الأفكار، البلاغة الرنّانة وهذه في حدّ ذاتها قائمة طويلة... تلك كلها قضايا خلافيّة حادّة. بقي أن القول إن التراث الشعري العربي أكثريته تفتقر إلى خصائص الشعر المحض، ليس تجنّياً. الشعر الخالص ليس ذلك الحافل بالأفكار، فالأفكار تحتمل الخطأ والصواب، وتثير الجدال والنطاح في صحتها أو سقمها، وليس سلسبيل الشعر الصّرف كذلك. ما يثير عواصف الجدل الأيديولوجي أو الأخلاقي أو المبدئي الفكري، ليس شعراً.
فتح هذه السيرة مهمّ، لأن الأمر ينطوي على خلل في التربية والتنشئة أخّر النظرة النقدية المخبريّة إلى التراث قروناً. علّة ذهنيّة جعلت الأجيال تتعامل مع الأدب والأدباء القدامى، كما لو كانوا مقدّسات، يقال: من أنت حتى تبدي رأياً في أباطرة الأدب العربي؟ هذه العاهة الثقافية انتقلت عدواها إلى تدريس الأدب على طول تاريخنا، ومن ظنّ أن الوضع اليوم في العالم العربي معافى من آثار الآفة، فهو واهم، يقيناً.
جوهر المبحث هو أن العقود المقبلة سيضيق فيها الخناق على التراث الأدبي الرفيع. هل لدينا في كل قديم المكتبة وحديثها، أثر واحد يرقى إلى «رسالة الغفران»؟ أيّ مصير ينتظرها؟ لا عملناها بفن «والت ديزني»، ولا مثل «آفاتار»، ولا «ما بين النجوم». حتى كمسرحية غير عادية، لا.
 لا يوجد في تاريخنا الأدبي عمل فيه ما في هذه الرائعة من الخيال والإبداعات، طبقات فوقها طبقات، من تحتها طبقات، في حين أن النصوص التي تدرّس وتلقى أصداء في وسائط الإعلام، تستوجب الكثير من علامات الاستفهام والتعجب، لأن الافتتان «الوراثي» بها إنما هو نتيجة لتلك التنشئة المفتقرة إلى النقد والفحص. 
يجب أن تأخذ مسافة من اللوحة لكي تستطيع استيعابها ونقدها والإحساس بجمالها أو بمواطن الخلل فيها. الأدب كذلك تلزمه مسافة تتطلبها النزاهة.
لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: ضروري تجديد النظر حيادياً في التراث، حتى يعرف القادمون الكنوز، من زائف الرموز.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"