قفزات نجومية ثقافية

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

ما هي الإشارات التي تدل على أن مفهوم الثقافة سيشهد تحوّلاً جوهريّاً في العقود القليلة المقبلة. التحوّل حادث ويحدث «ولكن لا تشعرون». حتى قبل عقد كان «تسونامي» المعلومات يدع مجالاً للقول: إن المعلومات شيء، والمعرفة شيء آخر، فلا خوف ولا حزن. اليوم صار الفيضان ينذر بألّا تستطيع الأرض ابتلاع مائها.
ليس كلاماً فارغاً ذلك الخبر الذي ذكر أن أحد الفيزيائيين أخبرته عصفورة حساباته أن وزن الخزائن التي ستحوي بيانات العالم سنة 2240، سيعادل نصف وزن الكرة الأرضية! يقيناً، حسابات الفيزيائي لا قيمة لها علميّاً، على الإطلاق، غير أنها مهمّة جدّاً كتحذير من أن للرقمي، الافتراضي، المعلوماتي، عالماً من النفايات، خصوصاً الهذيان السطحي، التهريج، العبث، الحماقات، الإيذاء، سقوط القيم، الابتذال، وهلمّ هبوطاً.
لا شك في أن ذلك الاستنتاج مبنيّ على معطيات الحاضر، بأساليب التخزين الحالية. لا يمكن أن تظل التقنيات والتقانات جامدة راكدة قرناً وعشرين عاماً. للتوضيح: مليار كتاب ورقي، كيلوجرام للواحد، تزن مليون طن. حجمها الرقمي (خمسة ميجابايت للواحد) خمسة آلاف تيرابايت، أي خمسة بيتابايت، توضع في قرص صلب وزنه كيلوجرام. إذا صار التخزين على طريقة الحمض النووي، فسوف يسعها شيء شبيه بالذاكرة العشوائية (فلاش ميموري)، وربما أصغر بكثير، وقد يكون شيئاً كلا شيء.
كيف سيحدث التحوّل الثقافي؟ هذا هو الأهمّ، فمسألة نفايات البيانات المعلوماتية ستكون حلولها في تقدم تقنيات التخزين. في ظن القلم أن الجدران الوهمية التي تفصل العلوم والمعارف والفنون ستنهار إلى غير رجعة. منذ بداية التاريخ الحديث، ونحن نشهد عمليات انسلاخ وانشقاق واستقلال، في الفلسفة والعلوم. انفصل علما النفس والاجتماع عن الفلسفة، بعض مناحيها صار في بحوث الفيزياء الفلكية. التصوف غدت له جسور نحو علوم الكون. العلاقات تتوطد بين الشعر والفيزياء عبر شعراء علماء. وبرز علماء رياضيات وفيزياء لهم صلات متينة بالموسيقى، وموسيقيون ضالعون في الرياضيات والفيزياء. الأنثروبولوجيا لم تعد تفارق البيولوجيا.
الرقمي والافتراضي والذكاء الاصطناعي والعلوم العصبية، لغتها المشتركة طاقة ولا مادّة. الإنسان خليفة الله في الأرض، وستظل الأسرار خفيّة، لكن الدماغ الآدمي يستلهم، فكل هذا الكون بياناته مخزّنة ومستخدمة بطرائق عليا، على الفيزياء الكدح في سبيل اكتشاف عوالمها.
لزوم ما يلزم: النتيجة الإشراقية: إذا كان الإشراق طاقة، فتخيّل من الآن أن تكون الأشعار الصوفية قبل نهاية القرن معادلات فيزيائية، ونقدها بالبرهنة على نقص فوتون أو زيادة إلكترون.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"