لبنان و«مغارة علي بابا»

00:54 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

لو قرأنا قصة «مغارة علي بابا والأربعين حرامي» بعيون سياسية، ووضعناها في إطار الأزمة اللبنانية، ومعاناة اللبنانيين في ظل النظام السياسي الطائفي القائم، وما جره عليهم من ويلات وكوارث طوال السنوات الماضية، لاكتشفنا أن هناك تشابهاً تاماً بين اللصوص الذين حولوا المغارة إلى مخبأ لكنوزهم، وتحالف زعماء الأحزاب والطوائف وكارتيلات النفط والوقود والدواء والمصارف الذين نهبوا البلد، وسرقوا ودائع الناس، وتركوا الشعب يئن تحت وطأة الفقر والعوز، ويقف يومياً في طوابير الذل أمام محطات الوقود والغاز والأفران، إضافة إلى انقطاع الكهرباء، وفقدان الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية من الصيدليات والمستشفيات، في حين تتم يومياً مصادرة الأطنان من الوقود والأدوية المخزنة لدى المستوردين والتجار الجشعين الذين يفتقدون إلى الأخلاق والضمير، ويلوذون بحماية زعماء الأحزاب والطوائف، على حساب الناس الذين يموتون على أعتاب المستشفيات، أو يقتتلون بحثاً عن رغيف خبز أو قارورة غاز، أو أمام محطات الوقود.

إنه النظام نفسه العاجز عن تشكيل حكومة جديدة، تتمكن من ترقيع الوضع الاقتصادي والمالي، وترفع بعض المعاناة عن كاهل الناس، أو تعيد الأمل المفقود الذي بات يلقي بظلاله على السواد الأعظم من اللبنانيين.

إنه النظام نفسه الذي أدى إلى إفلاس لبنان، وخنق أنفاس اللبنانيين، وحوّلهم إلى طوائف ومذاهب، يبحثون عن زعيم طائفي أو سياسي يحميهم، بدلاً من وطن جامع يلوذ به كل اللبنانيين، ويشكل لهم المظلة التي تقيهم شرور تجار السياسة والدين، والمافيات التي لا تشبع.

إنه النظام نفسه الطائفي الذي قام مع الاستقلال عام 1943، ولم يتطور نحو قيام دولة مدنية، أو نظام انتخابي خارج القيد الطائفي، أو خطط تنموية اقتصادية زراعية وصناعية، تخرج لبنان من الحالة التي هو عليها، معتمداً فقط على السياحة والخدمات كمورد اقتصادي وحيد، وظل رهينة منظومة عائلية طائفية تتوارث السلطة، حولت لبنان إلى مزرعة تتقاسمها هذه المنظومة، وترفض التخلي عن امتيازاتها، أو التخفيف من معاناة الناس.

إنه النظام نفسه المتهالك الذي أدى إلى إفلاس البلد، ووضعه على حافة الانهيار، وساد فيه الفساد في الإدارة، وتفشت فيه المحسوبيات، وسطوة قوى المال والاحتكار، والولاءات للخارج.

كل هذه الموبقات، جعلت لبنان أسير طغمة فاسدة، يبحث كالمتسول عن مساعدات من هنا وهناك، علّه يتمكن من تجاوز كوارث لم تعد لديه قدرة على تحملها.

إنها «مغارة لصوص علي بابا» لبنانية، لكنها ليست من التراث الأدبي الساخر.. إنها مأساوية بامتياز، تحكي واقع بلد عربي وضعه القدر بأيدي حفنة من اللصوص.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"