تحديث لغة النصوص

00:09 صباحا
قراءة دقيقتين

ما هي الأشياء التي لا تجذب الطالب إلى منهاج اللغة العربية؟ الفحص الشامل مخبريّاً ضروريّ. أحد الأعراض الباثولوجيّة في الكشف العام: اللغة التي تكون قد تجاوزها الزمن، فهي لا تواكب آليّات زمانها ولا تعكس إشعاع عصرها. النشء الجديد يحتاج إلى دراسة نفسيته، قبل وضع مناهج دراسته. ابن السابعة فصاعداً، وخصوصاً بعد العاشرة، يتابع بلهفة كل جديد في عالم التكنولوجيا لكونه نشأ فيها: هو شغوف بأحدث جوّال من حيث سعة التخزين ووفرة الذاكرة، وأفضل حواسيب الألعاب، أسرع معالج بيانات، أقوى بطاقة جرافيك...
مراهقو اليوم كأنهم تلقّوا تأهيلاً تقانيّاً عالياً مذ كانوا أجنّة. عيونهم تحيا في الواقع الافتراضي، وآذانهم لا تقنع بما دون سمّاعات سبع المكبّرات والصوت المحيطيّ (دولبي أتموس). جيل كهذا يتردّد على أسواق التكنولوجيا، الفعلية والشبكيّة، ويعرف بالضبط وتيرة ظهور الأحدث والأسرع والأقوى، فهل يُعقل أن يدخل صفوف العربية لتخاطبه النصوص بلسان لم يسمع بالمثل: «خاطب الناس بما يفهمون»؟ قبل اختيار نصوص العربية، لا بدّ من وضعها تحت مجهر الاختبار: ما هو وقعها وتأثيرها في أدمغة الطلاب؟
رحم الله الشاعر صفي الدين الحليّ، الذي عاش قبل سبعة قرون، ولم ير لا الألف ولا الياء من أبجديّة التقانة اليوم، ولكنه كان يسخر من التقعّر اللغوي: «إنّما الحيزبونُ والدردبيسُ.. والطّخا والنّقاخ والعطلبيسُ... لغةٌ تنفُرُ المسامع منها.. حين تُروى وتشمئزّ النفوسُ... أين قولي هذا كثيبٌ قديمٌ.. ومقالي عقنقلٌ قُدموسُ... إنما هذه القلوب حديدٌ.. ولذيذ الألفاظ مغناطيسُ».
الأبيات للتمثيل، لا للاستدلال على واقع كائن. المقصود متعدّد الغايات. ما يتجاوزه الزمن لا يقتصر على اللفظ الذي كان مستعملاً في قرون غابرة، وصار مهملاً مهجوراً، كالعملّس والعرفاء الجيأل، «والسبنتى والحقص والهيق والهجرسُ والطرقسانُ والعسطوسُ»، وإنّما يتعدّاه إلى الأفكار البالية، التي لم يعد لها حضور في ساحات الأذهان.
 اليوم أضحى التعلق بالمستقبل محور البنيان الاقتصادي التنموي والعلمي. اليوم، لا يعني التشبّث الماضوي بالموروث وحده، أصالةً تبعث على الفخر.اليوم، لا أمل في مناهج لا تتغيّر كل عشر سنوات كأقصى مدى، ومع تغيّر المقرّر العلميّ، يجب أن يجري تحديث لغة مقرّر اللغة.
لزوم ما يلزم: النتيجة القلقيّة: إذا ظلت الحياة العامّة تنمو وتتطوّر وتتحوّل، والمناهج الدراسيّة لا تدخل السباق وتسعى إلى السبق، فإن المدارس وأجيالها هي الخاسرة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"