عادي
لكل بطل مساحة توازي حضور ضيف الشرف

«200 جنيه»..كثير من النجوم والقصص

23:43 مساء
قراءة 4 دقائق
1
عودة ناجحة لإسعاد يونس بأجمل دور
1
1

مارلين سلوم
أكثر من عشرين نجماً في فيلم واحد؟ لم تعد البطولة الجماعية ظاهرة نستغربها في السينما، لكن وجود كل هذا العدد من المشاهير المحببين في عمل لا يتجاوز 105 دقائق، فهذا يعني أن لكل نجم مساحة توازي حضور ضيف الشرف، بجانب عبور البعض كضيوف شرف بشكل سريع وخاطف، بما لا يتعدى المشهد الواحد. فيلم «200 جنيه» الذي يعرض في الصالات، نجح في لفت الجمهور إليه، بسبب كثرة عدد النجوم فيه، والذين تشاركوا في مساحة أصغر من أن تسمح لكل منهم بالانفراد بقصته، فهل استطاع أحد منهم «سرقة الكاميرا» وترك بصمة مميزة ومختلفة وسط هذا الزحام؟ وهل تمكنت كثرة أسماء النجوم من رفع مستوى العمل؟

إذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء، نجد أن السينما العربية وحين كانت في قمة مجدها، اعتمدت على وجود أكثر من نجم في العمل الواحد ولم تكتف ببطل أوحد يتصدر «الأفيش» ويأتي الجمهور «عشان خاطر عيونه» فقط. والأمثلة كثيرة منها فيلم «غزل البنات» 1949 الذي جمع كوكبة من أشهر نجوم ذلك الوقت: أنور وجدي، ليلى مراد، نجيب الريحاني، سليمان نجيب، محمود المليجي، عبد الوارث عسر، استيفان روستي، فردوس محمد.. ومعهم ضيفا شرف مميزان هما يوسف وهبي ومحمد عبد الوهاب.

فيلم «200 جنيه» رفع السقف قليلاً وجمع أكبر عدد من نجوم اليوم، لأكبر عدد من القصص الاجتماعية، فتوقعنا منه الإبهار وترك بصمة تبقى علامة في السينما المصرية، وهو ما لم يحصل.

مهمة صعبة

لا يمكن القول إن «200 جنيه» فاشل، بل هو جيد ومتماسك رغم كل هذا العدد من النجوم فيه، ما يصعّب مهمة المخرج في إدارتهم، ليخرج العمل كله بروح واحدة. والصعوبة أيضاً في طبيعة القصة التي تحتضن مجموعة قصص قصيرة وسريعة، متداخلة ومنفصلة، ننتقل بينها وكأننا نعبر مجموعة أحياء نطل على بعض بيوتها، ونسمع نبذة عن هموم كل أسرة منها. المخرج محمد أمين اجتاز الاختبار ومنح كل بطل الشخصية المناسبة وأجاد في خلق التوازن في العمل من بدايته وحتى نهايته، ولم ينحز لنجم على حساب الآخرين، إنما بعض النجوم لمسوا قلوبنا فتميزوا أكثر من غيرهم بفضل صدق مشاعرهم وملامحهم، خصوصاً إسعاد يونس العائدة إلى السينما بعد غياب 11 عاماً، لتؤكد أن موهبتها المتأصلة مازالت تتوهج.

وما زالت إسعاد يونس تحتفظ بمكانتها في قلوب الجمهور وهي قادرة على ترك بصمة مميزة على الشاشة، خصوصاً أنها تشكل بداية ونهاية الفيلم. وهاني رمزي قليل الظهور على الشاشة في الفترة الأخيرة تألق بدور الأب شوقي عامل محطة البنزين الذي يحاول تلبية طلبات ابنته وفق إمكاناته المادية الضئيلة، قصته الأكثر تأثيراً بين مجموعة الحكايات، ويؤديها هاني رمزي بكل مشاعره وكأن ما يقوله ويفعله ينبع من روحه. كذلك يتميز أحمد آدم بدور صاحب العمارة الجشع والبخيل. الكاتب أحمد عبدالله لم يبتكر الفكرة، بل هي مأخوذة عن فيلم «خمسة جنيه» 1946 قصة وحوار السيد بدير، سيناريو وإخراج حسن حلمي، وبطولة مجموعة من الممثلين أمثال محسن سرحان وزوزو نبيل وعبد الفتاح القصري ووداد حمدي وحسن كامل وغيرهم.

سقطة

لا شك أن تطور السينما ساهم في تطوير الفكرة اليوم وتقديمها بشكل أجمل، لكن تبقى خطيئة هذا الفيلم الجديد والمؤلف والمخرج، تجاهُل القديم وعدم منح الفنان الكبير السيد بدير حقه في ذكر اسمه، والإشارة إلى أن «200 جنيه» مستوحى من «الخمسة جنيه». طبعاً لا مجال للمقارنة بين العملين القديم والجديد، فلكل منهما ظروفه وقصصه التي تتناسب مع أحوال المجتمع وفق الزمن وتغيراته.

تنطلق الأحداث من عزيزة السيد (إسعاد يونس) التي تحصل على معاش زوجها ولا يكفيها لسداد كل الأقساط والفواتير، تستعمل ختماً باسمها بدل التوقيع على الأوراق، وعن طريق الخطأ تختم ورقة 200 جنيه من المبلغ الذي استلمته. ومن خلال اسم عزيزة السيد نستطيع متابعة خط سير ال 200 جنيه وكيف تنتقل من يد لأخرى ومن حالة إنسانية واجتماعية إلى أخرى، مروراً بكل المستويات من الفقر إلى الطبقة المتوسطة فالميسورة إلى حد ما، أي بالشكل والمظهر فقط، بينما هي فعلاً أسر تعاني من أجل الحفاظ على هذا المستوى وهذا المظهر.

رحلة ال 200 جنيه تبدأ بعزيزة ومأساتها وابنها عنتر (أحمد السعدني) الذي يسرق ورقة ال 200 جنيه من محفظة أمه ويعيش حياته منافقاً ينصب على الناس، ليكسب المال بلا أي مجهود. من عزيزة تنطلق الأحداث وإليها تعود في النهاية، وفي كل رحلة أو قصة يضع المؤلف أحمد عبد الله هدفاً رئيسياً وهو تطبيق الثواب والعقاب، فكل من يخطئ ينال العقاب الذي يستحقه، مع التركيز على أحوال الناس ومآسيهم.

لا تقاس مشاهد الممثلين بالعدد أو بالتساوي فيما بينهم، بل بقوة القصة وقدرة الممثل على منحها العمق المطلوب، للوصول إلى عقل المشاهد وقلبه. مشهد هاني رمزي مثلاً ليس أكبر حجماً من مشهد أحمد السقا، لكنه فاجأ الجمهور بفكرة جديدة لم يتوقعها، وجاء أداء هاني رمزي على نفس المستوى. أحمد السقا سائق تاكسي، لكنه لم يخرج من إطار دوره التقليدي، الرجل الشهم الذي يدافع عن سيدة تعرضت للتحرش بمعركة في الشارع ينتصر فيها، ثم يكمل رحلة الشهامة لينقذ «سبّاكاً» ويضحي بالمبلغ الذي ادخره لتسديد أقساط سيارته ليعطيه لزوجة السبّاك من أجل إجراء عملية له.

قصة المدرّس سمير مميزة أيضاً وأداها أحمد رزق بسلاسة، أستاذ يعمل ليل نهار بالدروس الخصوصية لتوفير مستوى معيشي عال لزوجته وأولاده، ويعتمد في التعليم أسلوب التحفيظ بالغناء والعزف على الطبلة و«الصاجات». مشهد ساخر يحاكي الواقع التعليمي والتربوي، حيث أصبح الأب في بعض العائلات آلة تضخ الأموال من أجل العيش المرفه، بينما يقدم خالد الصاوي قصة محسن الرجل المتعثّر، يملك فيلا وكل مظاهر الثراء، بينما في الحقيقة يضطر إلى بيع خاتم زوجته لتسديد رسوم الفصل الدراسي لابنه. يعتمد المخرج على الحوار الداخلي بين محسن والخادمة سعاد، يبدأ بسؤال «يا ترى يا سعاد شايفانا ازاي؟». حوار غير مباشر بين الشخصيتين يظهر الفروق بين الطبقتين، ونظرة كل منهما للآخر، وتركيز المؤلف على أن الناس يحكمون على بعضهم بعضاً من المظهر، والنظرة الطبقية موجودة حتى ولو كانت أحوال «الميسور» خانقة والمظاهر الاجتماعية ترهقه وتفرض عليه التزامات قد يعجز عن سدادها ولا يجرؤ على التراجع عنها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"