عادي
آثارها النفسية والآلام الناتجة عنها لا تقل عن الأخلاقية

زوجات يتهمن أزواجهن بالخيانة المالية

00:35 صباحا
قراءة 8 دقائق
1

تحقيق: أمير السني

يخفي كثير من شركاء الحياة الزوجية أوضاعهم المالية عن شركائهم، مثل الراتب، أو غيره من التعاملات المالية، وحينما يكتشف الطرف الآخر المعلومات تنفجر المشكلات، وبعضها قد يصل إلى الطلاق، وعدم إمكانية العيش، مع فقدان الثقة، وعدم وضوح الرؤية للمستقبل والأحلام التي يريد أن يحققها الزوجان.

دعا عدد من الاختصاصيين الاجتماعيين والمحامين، إلى اتباع عدد من الخطوات لتلافي تلك المشكلات التي تؤدي إلى ما يسمى «الخيانة المالية» التي تُحدث أزمة بين الشريكين، وتؤثر في تربية الأبناء الذين يعيشون تلك الخلافات تحت سقف واحد. وقد تكون نهايتها الطلاق، ومن تلك الخطوات تكثيف التوعية، وإقامة الدورات التدريبية بتكوين ميزانية تضمن استمرار الحياة الأسرية، وتحفظ حقوق الجميع.

تغيرات الأوضاع

د. عائشة المطوع

توضح الدكتورة عائشة المطوع، اختصاصية الإرشاد النفسي والاجتماعي، أن الخيانة المالية يمكن تعريفها بقيام تصرف مادي مخالف لاتفاق مسبق بين الزوجين، وهو سلوك يصنف ضمن إطار الخيانة، لأنه يأتي بردّة الفعل نفسها من شريك الحياة، من ناحية فقدان الثقة والإحساس المستمر في الشك بعد الحادثة، وهو أمر مؤلم، ومن الصعب التغلب عليه وإعادة الثقة من جديد، لأن الزواج قائم على المشاركة لبناء حياة الزوجين وتكوين أسرة مستقرة مبنية على التفاهم، ويعتمد ذلك على مبدأ الشفافية في التعامل منذ البداية، والإفصاح عن الوضع المالي ومعرفة الزوجة بحقيقة الراتب وأوضاع الزوج المالية، من حيث وجود ديون أو أقساط، وقدرته على تحمل أعباء الأسرة، من سكن ومصروفات، وغيرها، حتى تعلم الزوجة مستوى الحياة التي ستعيشها وتتقبلها، مع العلم أن الحال قد لا تستمر مثل ما اتفق عليه الشريكان، بسبب متغيرات الحياة، فإما غنى بعد فقر، وإما فقر بعد غنى، لأن هذه حال الدنيا، فعلى الشريكين أن يؤسسا حياة زوجية محكمة، ويتعلما قواعد الميزانية الأسرية التي تهدف إلى الادخار، ومن ثم الاستثمار الأمثل والأفضل لمواصلة حياة كريمة لهما ولأطفالهما.

ونجد 80% من المشكلات الزوجية متعلقة بالمصروفات المالية، ومن بينها إخفاء الزوج الحقيقة عن زوجته، وهنالك إحدى الحالات اتصلت بي، وأخبرتني أن زوجها يعمل في وظيفة راتبه فيها 40 ألف درهم، ولكنه يبخل في الصرف عليها، وهي لم تكن تدري مقدار الراتب، واكتشفت ذلك بعد مدة من الزواج.

وتؤكد الدكتورة عائشة، أنه ولتجنب تلك المشكلات لا بدّ للزوجين أن يضعا ميزانية محددة تكون من بداية العام، وتتم كتابياً، وليس شفوياً، وتوزع موادها للطوارئ، وفي نهاية العام يجتمع الزوجان ليراجعا المصروفات المالية بالفواتير التي ترسخ مبدأ الشفافية والصدق والثقة، ومن ضمن المواد، الادّخار للمستقبل إذ إن الزوج قد يتقاعد ويتوقف راتبه، في حين أن الأسرة ما زالت تحتاج إليه، والأبناء قد يكونون في مراحل دراسية.

ومن المعروف أن الزوجة هي من تقوم بالصرف على الأسرة والمنزل من مال زوجها، لأنها بطبيعة الحال عاطفية، وفي المقابل هنالك كثير من الزوجات يمارسن الإسراف والتبذير في الصرف، بشراء الأشياء الكمالية والسيارة الفارهة، وهنالك من يرين أزواجهن أجهزة صراف تسحب من رصيده وقتما تشاء ولأسباب واهية، وهذا ما يمكن تسميته بالخيانة المالية من الزوجة.

ميزانية مبكرة

نجاح عثمان

وتوضح الإخصائية الاجتماعية نجاح عثمان، أن الخيانة المالية يمكن أن تكون نتيجة غياب التواصل الفعلي بين الشريكين، لأن الكثير من الأزواج لا يتحدثون عن المعاملات المالية، في حين أن المال إحدى ركائز الحياة الزوجية، وأكثر الأزواج نجاحاً هم الذين تتطابق وجهات نظرهم في ما يتعلق بكيفية إدارة المال في إطار العلاقة الزوجية، وفي المقابل يؤدي سوء إدارة المال إلى الطلاق، لأسباب عدة، من بينها تراكم الديون بسبب سوء إدارة ميزانية الأسرة، فلا بدّ من معالجة هذه المشكلات الأساسية، إذا رغب المرء في التعافي من الأسرار المالية وغيرها، عن طريق التوعية والتدريب المستمرين بالأمور المالية، فضلاً عن امتلاك الثقافة الزوجية قبل الزواج على أن تكون مرتبطة بالأساسيات الإنسانية، ومعرفة أن الحقوق والواجبات لا تنفصل عن العلاقة الزوجية التي تتوجها المودة والرحمة والتسامح، فضلاً عن العلاقة المالية المستقرة التي تقوم على التعاون في الأمور المالية، ومن ثم يسيطر التفاهم والاستقرار الأسري على الخلافات المالية.

أما العلاقات غير المستقرة، فمن أسبابها تحكم الزوج في راتب زوجته، واحتفاظ الزوجة براتبها لنفسها، رغم معرفتها بحاجة الأسرة للمال، وافتقاد الزوجين للإدارة المالية، وبذلك تتراكم الديون والقروض وتنشأ الخلافات.

أما العلاقة المالية الناجحة فتكون قائمة على التفاهم والمودة والرحمة، لتحقيق هدف الاستقرار الأسري، فإذا كانت الزوجة ربة منزل، فعلى الزوج القيام بواجباته المالية، وعلى الطرفين تحديد أولويات الإنفاق الأسري وطريقة توزيع الراتب، وأن تساند الزوجة العاملة زوجها في الإنفاق، مع احتفاظها بإدارة راتبها ومالها، لأن التعاون المادي أساس التوازن في علاقة مالية ناجحة داخل المؤسسة الأسرية، ونجد المشكلة الكبرى التي تولدها الخيانة المالية هي الثقة، فهي أمر مؤلم، ومن الصعب التغلب عليه، سواء كان ذلك بغش أو إخفاء معلومات أو بالكذب على الشريك، فالحسابات المشتركة أو المنفصلة يجب على الشريكين أن يكونا صادقين فيها، وبيان ما يدفعه كل شخص داخل الأسرة، وبهذه الطريقة، يمكنهما تجنب الوقوع في الخيانة المالية.

ولهذا أتمنى ألا تكون المعاملات المالية من الأسرار التي يجب إخفاؤها على شريك الحياة، لأنها تشعره بأن ما يقوم به الطرف الآخر يندرج ضمن الغش. كما أن الاعتناء بالنفس والصرف على أشياء غير ضرورية وتبديد ميزانية الأسرة من الأسباب التي تؤدي إلى الخلافات بين الزوجين، وتؤدي إلى الطلاق.

واجبات الزوجية

محمد المرزوقي

ويوضح المحامي محمد المرزوقي، أن الخلافات قد تنشب بين الزوجين لأسباب عدة، منها عدم تنظيم العلاقات المالية، واستنادها لأحكام الشرع والقانون، فتلك الأحكام حرصت دائماً على توجيه الزوجين إلى التعامل برفق، وإن كان الصلح عامة هو من أحب الأعمال إلى الله، فكيف إن كان صلحاً بين زوجين عاهدا الله على المودة والرحمة، لا سيما وأن علاقة الزواج أسمى من أن تنفصم عراها لأسباب مالية؛ فعلى الزوج أن ينفق على زوجته ويكرمها، فما نفع جني الأموال بعد أن يتشتت شمل أسرته، بفعل اكتنازها من دون حق، وعلى الزوجة ألا ترهق زوجها بطلبات قد يعجز عنها، حتى لا يذهبا إلى المحاكم.

وقد بينت المادة 63 من قانون الأحوال الشخصية رقم 28 لسنة 2005، أن النفقة تشمل الطعام والكسوة والمسكن والتطبيب والخدمة للزوجة، إن كانت ممن تخدم في أهلها، وما تقتضيه العشرة الزوجية بالمعروف، أي أن النفقة تشمل تغطية كل كلف تأمين الحياة الكريمة للزوجة، مع الأخذ في الحسبان نوعية الحياة التي اعتادتها عند أهلها.

والمادة نفسها عادت وأكدت في فقرتها الثانية، مراعاة سعة المنفق، بعد أن راعت حال المنفق عليه عند تقدير النفقة، وكذلك الوضع الاقتصادي زماناً ومكاناً، على ألا تقل قيمة النفقة عن حد الكفاية.

وتكون النفقة نتيجة لعقد الزواج الذي جعل المرأة في عصمة زوجها، وأعطاه القوامة عليها، وفي قانون الأحوال الشخصية، بينت المادة 66 وجوب النفقة للزوجة على زوجها بالعقد الصحيح إذا سلمت نفسها إليه ولو حكماً، أي حتى لو كانت الزوجة في بيت أهلها، ولم يطلبها زوجها إلى بيته وامتنعت بغير حق، فاستعدادها للمطاوعة يعد تسليماً حكيماً، وقد وجبت الإشارة هنا إلى أن النفقة واجبة على الزوج حتى لو كانت موسرة، أو من غير دينه.

حقوق متبادلة

هند المازمي

وتبين المحامية هند المازمي، أن المرأة تتمتع بذمة مستقلة جعلتها حرة التصرف في أموالها، وتبقى للمرأة ذمتها المستقلة حتى بعد الزواج، فهي مستقلة عن ذمة زوجها، ولا أدل على ذلك من فرض النفقة على الزوج، حتى لو كانت زوجته موسرة، وبناء على ذلك مُنع على الزوج التصرف في أموال زوجته من دون رضاها، وقد أكدت ذلك المادة 62 من قانون الأحوال الشخصية، التي جاء فيها أن المرأة الراشدة حرة في التصرف في أموالها، ولا يجوز للزوج التصرف فيها من دون رضاها، فلكل منهما ذمة مالية مستقلة، فإذا شارك أحدهما الآخر في تنمية مال أو بناء مسكن ونحوه، كان له الرجوع على الآخر بنصيبه فيه، عند الطلاق أو الوفاة، وهنا من حق أي من الزوجين إثبات حقوقه والكتابة وتحرير المستندات لضمان حقه وحق الطرف الآخر.

وإعارة الزوجة أشياء مملوكة لزوجها من دون علمه هذه الحالة بينتها المادة 857 من قانون المعاملات المدنية، ونصت على إنه لا يجوز للزوجة بغير إذن الزوج إعارة شيء مملوك له، ولا يكون عادة تحت يدها، فإن فعلت وهلكت العارية أو تعيبت كان للزوج الخيار في الرجوع عليها أو على المستعير بالضمان، ويأتي نص هذه المادة لتأكيد ما جاء في نص المادة 62 من قانون الأحوال الشخصية، الذي قال إن لكل من الزوجين ذمة مالية مستقلة، ولا يجوز لأي منهما التصرف في أموال الآخر من دون علمه.

ومسألة تحديد الحقوق المالية بين الزوجين من المسائل المعقدة للغاية، لأنها ترتبط بمساهمة كلّ منهما في المصروفات وشراء الممتلكات والسلع المعمرة، ومفهوم كلّ منهما عن المساهمة المالية الطوعية وعن الواجب الإجباري. كما تبدو الحقوق المالية للزوجين على بعضهما بعضاً، نسبية في الكثير من الزيجات، فالزوجة العاملة قد لا تعتقد أن المساهمة المالية واجبة عليها، فيما يرى الزوج أن من حقه عليها المشاركة في الأمور المالية، كما أن زوجة الرجل الميسور قد ترى أن حقوقها المالية على زوجها أكثر، مقارنة بزوجة الفقير، أو المتوسط.

ويتمثل الابتزاز المالي بين الزوجين في تحويل القضايا المالية إلى ورقة ضغط في الخلافات الأخرى، أو المساومة باستخدام المال والأمور المادية، وكذلك بخل أحد الزوجين من المشكلات المالية الشائعة، على الرغم من أن بخل الزوج هي الحال الأسوأ، لأن الرجل مسؤول مسؤولية إلزامية عن نفقات الأسرة، وعلى الجانب الآخر نجد إسراف الزوجة مشكلة شائعة أيضاً، حتى إن أسرفت من مالها الخاص، فسيكون ذلك مثاراً للخلاف بين الزوجين.

شفافية عالية

يوضح الدكتور السيد عبدالرحمن، أستاذ علم الاجتماع بجامعة العلوم والتقنية، أن الخيانة بين الزوجين تحدث في الأمور المالية، إذا أخفى أحدهما عن الآخر بعض الأمور المالية، حيث إن الشراكة دائماً تقوم على مبدأ المصارحة والأمانة، فيما تبدأ المشكلات بينهما عندما تتهم الزوجة زوجها بالبخل والشح، فتحاول أن تخفي من ورائه بعض الأمور المالية لاحتياجها إلى المال في أمور يرى الزوج عدم أهميتها، وهو يراها مبذرة وتنفق في أمور تكون من وجهة نظره غير ضرورية، فيخفي المال عنها، ويكون هذا بداية لأمور أكثر تعقيداً وأكثر سرية، ويعد التدقيق الشديد من الزوج على الأمور المالية وتضييق الخناق على الزوجة من الأمور التي تؤدي إلى الخيانة المالية بين الأزواج أيضاً.

وتؤثر الخيانة المالية في الأبناء، خاصة إذا علموا بها، أو افتضح أمر الزوجين أمام أبنائهما، بل ربما يصبح الأبناء أكثر تأثراً عند الكبر، ويسقطون في مستنقع الخيانة المالية.

وللتغلب على هذه المشكلة، وعدم افتضاح أمرها على الملأ، خاصة لتأثيراتها السلبية في الأبناء، فإنه يجب على الأزواج أن ينظروا إلى واقعية الأمور، لأن الزواج قائم على الشراكة في كل شيء، ومنها الأمور المالية، فلا بدّ للزوجين أن تكون بينهما شفافية عالية، فلا حواجز أو جدران، ليخفي أي طرف عن الآخر أي أمور، ومنها النواحي المالية، ولكن مع مراعاة أن للزوجة متطلبات خاصة بعيدة عن متطلبات البيت وعن ميزانيته، ويجب أن يكون لها مصروف شهري خاص بها، متفق عليه لتلك المتطلبات الخاصة.

 

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"