عادي
ظاهرها التسلية وباطنها الإفساد

ألعاب إلكترونية.. مؤذية مع سبق الإصرار

00:02 صباحا
قراءة 8 دقائق
إحدى لقطات اللعبة (أ.ف.ب)

تحقيق: جيهان شعيب

هناك قضايا أو ظواهر مشرعة النوافذ، لا يمكن إغلاق الحديث فيها بمجرد طرحها مرة واحدة أو أكثر، دون معاودة طرق أبوابها مرات عدة، مع استمرارها على الساحة المجتمعية، وتنامي أضرارها، وتزايد مخاطرها، واستهدافها الأبناء على وجه الخصوص.

فهنا أكثر من 15 لعبة إلكترونية خطرة، انتشرت خلال هذه المرحلة، بصورة تدعو إلى القلق، والتوتر، وتثير المخاوف على أخلاق الصغار، لتغريرها بهم، وتأثيرها في سلوكاتهم القويمة، وبثّها رسائل ضمنية لأفعال، وتصرفات خارجة عن سياق الآداب العامة، والالتزام المطلوب، ودافعة بهم لأعمال عنف، وانحراف، وغارسة فيهم العدوانية، والكراهية، إلى حد ازدراء الأديان، والقتل، وارتكاب الموبقات، والاستهانة بالقيم والمبادئ، والأصول، والأعراف.

عن خطورة الألعاب الإلكترونية، قال أيمن عثمان الباروت، الأمين العام للبرلمان العربي للطفل: تشكل الألعاب الإلكترونية أهمية كبيرة لدى الأطفال في الدول كافة، تتضح من إقبالهم عليها، وانتشارها بينهم، وتناقلها عبر الألواح الإلكترونية والهواتف المتحركة، بما أضحت معه واقعاً في حياة الصغار، مقارنة بإقبالهم على الألعاب الرياضية أو الحركية، أو برغبتهم في الجلوس مع أسرهم، أو حتى باهتمامهم بالمذاكرة، لجاذبية بعض تلك الألعاب، التي تتضمن عدداً من عناصر الإثارة والتشويق، وتتميز بخاصية تشارك أكثر من طفل في اللعب في آن واحد، والتنافس في مجالاتها المختلفة، فضلاً عن نقلها الطفل إلى عالم افتراضي، قد يكون خارقاً، ويحوي تحديات متنوعة وهكذا.

ولتلك الألعاب تبعات سلبية، لتأثيرها النفسي والسلوكي والقيمي في الطفل، وكذا الصحي والاجتماعي والتعليمي، بما يجعلنا ندق ناقوس الخطر، لما تبثه من سموم، وشرور، وأمور أخرى تخدش الحياء، وتسهم في هدم القيم المجتمعية، والتعرض للعقيدة الإسلامية، وغيرها، من الترويج لسلوكات منفرة، أو تأييد مواقف ذات علاقة بتنظيمات وجماعات إرهابية محظورة، وبذلك تشكل تلك الألعاب خطراً كبيراً على الأطفال، مع وصولها إليهم في غرفهم، دون انتباه من أسرهم، ومؤسسات المجتمع.

من هنا أرى لزاماً قيام الوالدين بدور أكبر في التدقيق على الألعاب، ومنع الطفل من اللعب بغير المناسب منها، مع تكثيف الاهتمام الأسري بشكل عام بالأطفال، ومراقبتهم، إلى جانب دور المدرسة في التوعية الدائمة، ومؤسسات المجتمع في الحيلولة دون انتشار تلك الألعاب، عبر البرامج الإلكترونية المتخصص، والعمل على طرح تطبيقات تعمل على وقف تلك الألعاب.

وبالنسبة لدورنا في التوجيه والتحذير، فالبرلمان العربي للطفل مؤسسة من مؤسسات جامعة الدول العربية، له أهداف عدة، يعمل بمقتضاها على بناء الطفل العربي، وتأهيله بكل السبل، ليكون مواطناً نافعاً لنفسه ووطنه، ويعمل عبر أعضائه وعضواته، وبمتابعة من أمانته العامة، على استشعار المسؤولية، ومناقشة مختلف القضايا التي تخص الطفل العربي، لحمايته، وضمان سلامته، وتأسيسه على القيم، والأهداف الوطنية العليا، ومن ثم طرح توصيات ترفع لجامعة الدول العربية في هذا الخصوص.

إفساد الأجيال

وبحسب محمد راشد الحمودي، رئيس مجلس أولياء أمور مدينة دبا الحصن التابع لمجلس الشارقة للتعليم، فإن هناك ألعاباً إلكترونية مدمّرة، تقدم بقالب عصري يكتسي بالخبث، سعياً لتدمير القيم النبيلة في نفوس الناشئة، الذين يشكلون مستقبل أي وطن. وقال: لن نتوقف عند مسميات تلك الألعاب البصرية المرعبة، ولا عددها الذي يغمر الأسواق بصورة مفرطة، وإنما عند من يعملون في تجارة إفساد الأجيال بمراحلهم العمرية المختلفة، ولا حصر لهم، ولا سيطرة على أعمالهم، إذ لا تتوقف إنتاجاتهم المؤذية التي تدرّ عليهم أرباحاً مهولة، ويستهدفون بها عقول الصغار والناشئة، ممن يفتقرون للوعي الكافي، والدراية اللازمة، بما تنتجه تكنولوجيا العصر، من ألعاب ووسائل مختلفة، ظاهرها البهجة والتسلية، وباطنها الإفساد والتدمير.

فالملاحظ أن هذه الألعاب تعبر عن النيات الخبيثة لصانعيها، وتستهدف فئات عمرية دون سن الوعي، والنضج، بصور، ورسوم جاذبة، تتضمن إيحاءات تتناقض مع قيمنا الدينية، والاجتماعية، وأفكاراً خبيثة، ومدلولات إباحية، لها تأثيرها المدمر لأخلاقيات الناشئة وسلوكهم، مما يصبحون معه غير أسوياء تربوياً، بل وقد تدفعهم هذه الألعاب إلى الانحراف والجنوح، والاستهتار بالقيم الأصيلة والتصرفات الرشيدة، وقد تصيب عقولهم بخلل يصعب علاجه، وتتعذر مقاومته إذا لم تكن هناك متابعة مباشرة، ومبكرة لهذه الظواهر، قبل استفحالها، وانتشارها بينهم.

مراقبة الأبناء

وللتصدي لمثل هذه الألعاب، على الأسر الاطلاع على محتواها، والوقوف على ما تحويه من توجهات ضمنية، وإيحاءات قبيحة، لتجنب شرائها، كما يجب عليها مراقبة الأبناء عند تعاملهم مع أجهزة الكمبيوتر، والهواتف الذكية، ومنعهم من التعاطي مع الألعاب غير السوية، فضلاً عن وجوب متابعة الأجهزة المختصة في كل بلد، ما يصدر ويتداول في الأسواق من هذه الألعاب المدمرة، وتحذير أفراد المجتمع من شرائها، أو اطلاع الأبناء عليها عبر أجهزتهم، وكذلك للمدارس والمساجد دورها في توعية الأبناء بخطورة هذه الألعاب.

استحداث تصنيفات

وفصّل عبد النور سامي، مستشار أمن معلومات، واقع الألعاب الإلكترونية، وكيفية إعدادها، قائلاً: تجري عملية تصميم الألعاب وبرمجتها في مختلف الدول، والأستوديوهات الأجنبية، وأحياناً تكون برعاية إحدى الشركات، وقد تكون اللعبة مبتكرة أو مبنية على رواية أو قصة، ومن ثم فسياسة تنظيم هذه اللعبة أو تلك، تعود إلى الاستوديو، أو الشركة أو الممولين، وتعتمد بشكل أساسي على كاتب القصة، وبما أنها ثقافة غربية أو شرقية، فمعتقدات أصحابها تختلف عن معتقدات الشرق الأوسط، أو الخليج، أو المسلمين خاصة، حيث قد تتضمن تعدد الآلهة، أو عبادة الأصنام، والشيطان وما شابه، من العلاقات بين الجنسين، والشذوذ الذي سمح به في نصف الولايات المتحدة، وكذلك المخدرات، إلى جانب مبالغة بعض هذه الألعاب في محتواها الذي يتضمن القتل، بينما تشجع بعض الألعاب على الرذيلة.

وهذه المشكلة سوف تخرج لنا أجيالاً متعصبة، متعددة الأمراض النفسية، والاعتلالات الشخصية، والانفلات الأخلاقي، ما ينعكس على زيادة التنمّر والفحش بين الأطفال، وهذه حال بعض أبناء الجيل الحالي أساساً، بفعل وسائل التواصل، لذا لا يمكن إنقاذ الأجيال القادمة إلا بركائز ثلاث: المشرّع، والمنفذ، والأسرة، وحين النظر في التصنيف، نجد أن هيئة تنظيم الاتصالات، والحكومة الرقمية، أطلقتا منصة صنّف «sannif.ae»، وهي منصة بإمكان أولياء الأمور استخدامها للتعرف إلى اللعبة وما تحتويه، لكنها لا تضم جميع الألعاب، وتعتمد على التصنيفات العالمية، وهي مجرد قاعدة بيانات بالعربية، وهذا هو امتيازها، لذا أنصح باستخدامها لمن لا يجيد سوى العربية، أو بالرجوع إلى «جوجل»، حيث لاحظت مثالاً، أنه إذا كانت هنالك لعبة فيها «عري» للقطات معدودة، لن تحتسب من مجمل التصنيف، في حين يجب تحري الدقة في هذه الأمور.

ومن المفترض استحداث تصنيفات تليق بالمنطقة العربية، والتعاليم الإسلامية، وليس نقل تصنيفات عالمية فقط، وهذه دعوة لمنظمة التعاون الإسلامي - الفرع التقني، أو اتحاد هيئات تنظيم الاتصالات، لإيجاد سياسة تصنيفية يتفق عليها، وتعميمها على هذه الشركات، ومنع دخول الألعاب من الشركات التي لا تلتزم لدول التعاون الإسلامي، حيث يجب أن يكون ملصق التصنيف المقنّن لمنطقتنا، ولتعاليمنا مطبوعاً على الألعاب، لاسيما أن ما هو مباح لديهم ممنوع لدينا، فلماذا لا نزال نعتمد على تصنيفاتهم، حيث يوجد تصنيف أمريكي، وأوروبي، فأين هو العربي أو الإسلامي؟ وإلى متى نعتمد على القوانين الأمريكية، والأوروبية في فقط هذا المجال؟ رغم أنه من حق كل شعب أن يحدد متطلباته، حسب عاداته، ودينه، وثقافته، ومجتمعه.

رقابة أبوية

وواصل عبد النور: ويأتي دور الأسرة، حيث يفترض أن لا يحصل الطفل على حساب مرتفع في «البلاي ستيشن»، ولا بدّ أن يكون تحت إدارة ولي الأمر، الذي عليه التحكم في ألعاب الأبناء، والوقوف على المحتوى الذي تتضمنه، وتحديد التوقيت المسموح له باللعب فيه، والسماح بتواصلهم مع الآخرين من عدمه، لتجنب الأبعاد السيئة للألعاب، والمحتويات التي تغزو الأطفال فكرياً، وهي أشد فتكاً بالدولة والمجتمع على مر السنين. وهنا ألفت للألعاب التي تحتويها أجهزة الهاتف، حيث الكثير منها ينطوي على خطرين، الأول اختراق جهاز الطفل، والتجسس عليه وعلى أسرته، بالوصول إلى الكاميرا، والميكروفون، وتسريب المحادثات، وكلمات المرور، وبطاقة الائتمان المستخدمة.. والثاني ابتزاز الطفل جنسياً، طوعاً أو كرهاً، بمنحه مميزات، ونقاط في ألعاب ما، أو تهديده بصوره، وصور أسرته، بعد الحصول عليها بالاختراق، أو طلبها ودياً من أحد الأصدقاء أو رفاق السوء، الذين من المحتمل أن يكون قد تعرف إليهم، عبر الإنترنت، أو ربما عبر شخص يدّعي أنه فتاة، وفي جميع الحالات، ولخوف الطفل من عقاب أهله له، لا يبوح لهم بالمشكلة.

وبشكل عام، فحلُّ هذه المشكلة يتركز في الرقابة الأبوية، وحماية الجهاز من الفيروسات والاختراقات، ومن أجل طفل متزن الفكر، والقلب، سويّ الأخلاق، حميد العمل والأفعال، يجب التقرب منه واحتضانه، وتعويده على البوح بشكواه لأهله، مع منحه الثقة والأمان والاطمئنان، وتجنب الغضب منه، وغمره بالعاطفة، ومساعدته على تجاوز ما تعرض له، ومراقبة الجهاز الإلكتروني بين الحين والآخر، والحرص على ألا يتحدث الطفل إلى الغرباء إطلاقاً، وبذلك، فالحل تقني بالتدقيق على الأجهزة، واجتماعي نفسي بمتابعة الأبناء واحتوائهم.

ضرر كبير

وذهب الشاعر أحمد المقبالي، إلى أن الألعاب الإلكترونية أصبحت أقرب إلى العالم الحقيقي للأطفال، بسبب المحاكاة، والتفاعل، والتأثير البصري، والصوتي، والحركي، حيث جذبت الألعاب المطروحة كثيراً منهم، إلى درجة الإدمان، بما أضرهم نفسياً وصحياً وسلوكياً، لاحتواء أغلبها على صراعات وحروب، قائلاً: المؤسف أن الكثير من ألعاب الفيديو تتمحور حول العنف، والممارسات العدوانية، وقد يؤثر ذلك في الأطفال الذين يداومون على لعبها، حيث تنمي فيهم هذه الصفات المرفوضة، والكراهية، ومع الوقت ينعكس الأمر سلباً عليهم، لدور الألعاب المؤثر، وبشكل ملحوظ على العقل الباطن للصغار، وفقاً لما جاء في بعض الدراسات.

وهناك أضرار نفسية تلحق بالأطفال من هذه الألعاب، منها احتمالية إصابة أحدهم بالتوحد، من جرّاء انعزاله عن العالم المحيط به خلال اللعب، والتفكير في اللعبة التي أمامه فقط، ما قد يصيبه لاحقاً بالاكتئاب، وغيره من الاضطرابات النفسية، لذا فمن الضروري بمكان شغل أوقات فراغ الأطفال بممارسة الرياضة، أو القراءة، أو التنزّه، وتحديد أوقات محددة من اليوم لهم لممارسة الألعاب الإلكترونية، ومتابعتهم، ومراقبتهم أثناء تفاعلهم معها، والتقرب إلى المراهقين، ومناقشة مشكلاتهم والعمل على حلها.

الإدمان الإلكتروني

أكد باحثون أن الإدمان على ألعاب الفيديو يمكن أن يؤدي بشكل غير مباشر إلى الموت المبكر، وإلى مشكلات صحية أخرى، وذكرت دراسة نرويجية أجرتها جامعة «برجن» أن الإدمان الإلكتروني، قد يؤدي إلى مشكلات صحية مثل الصداع، وآلام بالرقبة والظهر، ومشكلات في الجهاز الهضمي، ومشكلات في النوم، وخلصت إلى أن الأشخاص المدمنين على الألعاب أكثر معاناة منها، مقارنة بغيرهم.

مخطط تنظيمي

قال المستشار القانوني الدكتور مصبّح بالعجيد الكتبي، العضو السابق بالمجلس الوطني الاتحادي: من الطبيعي أن يواكب التطور والقفزات العلمية الإلكترونية، جانب سلبي، ومن ذلك الألعاب الإلكترونية الإجرامية، التي تعد مخططاً تنظيمياً لتدمير الأجيال، وخاصة أجيالنا العربية الإسلامية، حيث نجد اليوم ما يزيد على 15 لعبة خطرة على أولادنا، وتهدد مستقبل مجتمعاتنا وأوطاننا.

والحقيقة أن دولة الإمارات كانت سباقة بإطلاق قانون الجرائم الإلكترونية منذ سنوات عدة، لتجريم كل ما يضر المجتمع، وبالطبع فهذه الألعاب تضر بأطفالنا، وبذلك يمكننا التصدي لهذا الإجرام المنظم نحو أجيالنا سلوكياً وأخلاقياً وعقائدياً وشرعياً.

ولا بدّ على مؤسساتنا التي تعني بالاتصالات، والتواصل الإلكتروني، أن يكون لها دور في منع مثل هذه الألعاب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"