عادي
عقدان على الأحداث الرهيبة.. ضربة في الصميم الأمريكي وإنذار مبكر لحوادث أخطر

اعتداءات نيويورك وواشنطن عولمت الإرهاب وغيّرت خريطة الأمن الدولي

01:25 صباحا
قراءة 5 دقائق

كتب: المحرر السياسي

ما زالت الذاكرة العالمية تحتفظ بمشاهد الاعتداءات الكارثية التي أصابت الولايات المتحدة يوم 11 سبتمبر/أيلول 2001، وما زالت صور اختراق طائرتين لبرجي التجارة العالمي ماثلة في الأذهان كونها تعد أسوأ حدث إرهابي في القرن الحادي والعشرين، اكتمل في ذلك اليوم باصطدام طائرة ثالثة بمقر وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) في واشنطن، ورابعة تحطمت في إحدى غابات ولاية بنسلفانيا، إثر عراك دار بين ركاب الطائرة وخاطفيها. وقد أوقعت تلك الهجمات نحو ثلاثة آلاف قتيل أمريكي، وخسائر مادية بمليارات الدولارات، لكن نتائجها السياسية كانت فادحة جداً.

هجمات 11 سبتمبر/أيلول، حدث هائل أصاب الولايات المتحدة في الصميم، وضرب كبرياءها كأعظم قوة مهيمنة، كما أسهم في إعادة بناء استراتيجية السياسة الخارجية الأمريكية. وبعد أن ثبتت مسؤولية تنظيم «القاعدة» الإجرامي عن تلك الجريمة الرهيبة، أصبح الإرهاب معولماً، وعلى أساس ذلك تغيّرت خريطة الأمن الدولي، فكانت محاربة الإرهاب والفكر المتطرف أولية دولية على مدى العقدين الماضيين، وأصبحت هذه الأيديولوجيا عدواً تركض خلفه كل الدول في القارات الخمس. وفي نظر بعض المراقبين فإن اعتداءات نيويورك وواشنطن نبهت العالم إلى خطورة التنظيمات الإرهابية، وساعدت على تفادي أخطار أعظم، ربما تمظهرت في الجماعات المتطرفة التي تناسلت من «القاعدة» وأخطرها كان تنظيم «داعش» الذي روع العالم، وخصوصاً الشرق الأوسط، في سوريا والعراق، وقد أثمر الجهد الدولي المشترك في تقويض هذا التنظيم، ومحاصرة فلوله. بعد 11 سبتمبر شهدت عواصم عدة هجمات إرهابية ازدادت ضراوة بعد ظهور «داعش» عن طريق الذئاب المنفردة، وما زالت الإنسانية تتجرع الكثيرة من مرارات الإرهاب من خسائر بشرية فادحة، ومن إجرام طال شعوباً بأسرها، ومع ذلك، ربما الوضع كان أشد سوءاً لو ظل الحال كما كان قبل عام 2001، ففي ذلك الوقت كان تنظيم «القاعدة» يصنع قواعد ويقيم معسكرات في أفغانستان والسودان والصحراء الكبرى، ويجند العناصر في الدول الغربية، ومن بينهم المنفذون ال19 لاعتداءات الولايات المتحدة.

الإرهاب لم يتوقف

في السنوات الأولى بعد 11 سبتمبر، لم يتوقف الإرهاب؛ بل زاد توحشاً وعنفاً، وظهرت تنظيمات وميليشيات عسكرية تتبنى فكراً إرهابياً متطرفاً، من أبرزها تنظيم «داعش»، الذي سيطر على مساحات واسعة من العراق وسوريا، وتنظيمات «القاعدة في اليمن والصومال» و«بلاد المغرب العربي» و«الساحل الإفريقي»، وتنظيم «بوكو حرام» في نيجيريا والنيجر والكاميرون. ويحسب للولايات المتحدة أنها قادت الجُهد الدولي ضد الإرهاب، فأقامت تحالفاً من 80 دولة ضد تنظيم «داعش» الإرهابي في عام 2014. كما سعت إلى تفعيل مواد اتفاقية الأمم المتحدة، لمنع تمويل الإرهاب لعام 1999، وبادرت الخارجية الأمريكية بإعلان قائمة بالتنظيمات الإرهابية في العالم، ليقتفي أثرها عدد كبير من الدول. وفي ضوء ذلك تم إطلاق مبادرات، وإقامة مؤتمرات وقمم حققت تقدماً نسبياً على المستويات الأمنية والعسكرية، لكن الظاهرة الإرهابية ما زالت محل خلافات، بسبب عدم التوافق على مفهوم محدد للإرهاب، كما أن حدود النصر على الإرهاب ما زالت نسبية، بالنظر إلى بروز تهديدات جديدة، مستغلة الانفتاح الواسع، وزيادة وسائل التواصل والتمويه.

تعبئة المتطرفين

ومنذ الحادي عشر من سبتمبر، شهدت أوروبا عدداً من الهجمات الإرهابية على أراضيها، مقارنة بالولايات المتحدة، نتيجة مجموعة متنوعة من الأسباب، وفقاً لمحللين. ويقول مدير برنامج التطرف والإرهاب العالمي في معهد «إلكانو» الملكي في مدريد فرناندو ريناريس: إن «ما رأيناه في أوروبا الغربية هو تعبئة غير مسبوقة للمتطرفين» خلال العقد الماضي. والدليل على ذلك، كما يقول ريناريس، ليس فقط التفجيرات ودهس الناس بالسيارات وحوادث الطعن التي عصفت بأوروبا الغربية في الآونة الأخيرة، ولكن أيضاً شعور عشرات الآلاف من الأشخاص بأنهم باتوا مجبرين على الانضمام إلى الجماعات الإرهابية، بسبب شيوع خطابات الكراهية ونبذ الآخرين، وخصوصاً من المنتمين إلى الجاليات الإسلامية. ويشير أستاذ الدراسات الأمنية في كينجز كوليدج لندن، بيتر نيومان، إلى «أن هناك شعوراً بالغربة والإحباط استثمره المتطرفون بحماس في كثير من الأحيان» لتجنيد أكبر عدد من الشباب، لتنفيذ مخططات إجرامية. وهذه قضية ما تزال قيد النقاش، وحلها مطلوب لتحقيق الأمن الشامل لجميع الدول. وبعد عقدين على الهجمات الإرهابية، هناك اتجاه لمراجعة الإجراءات المتخذة حتى تواكب التطور التكنولوجي والسيبراني، بعدما أصبحت شبكة التواصل العالمية مزدحمة بالتطبيقات الذكية ولوحات التواصل والترميز.

مراجعة الرقابة

وفي هذا السياق، تقول الخبيرة الدولية في مكافحة الإرهاب لينيا خليل: إن الأمريكيين لا يزالون يعيشون آثار الإجراءات التي أعقبت هجمات سبتمبر حتى هذا اليوم، خصوصاً تشريعات المراقبة الجماعية ومكافحة الإرهاب. وتضيف: «هناك خوف حقيقي وملموس وشعور بعدم الأمان من جرّاء تلك الهجمات، وما زلنا نعيش مع آثار سلطات المراقبة وتشريعات مكافحة الإرهاب التي تم طرحها».

الإجراءات الأمنية التي بلغت أوجها المتشدد في السنوات الأولى التي تبعت الاعتداءات. وبإحداثيات تلك الفترة، كانت هناك مبررات كثيرة لإدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، في انتهاج سياسة صارمة كان من أهم منفذيها وزير الدفاع الأسبق دونالد رامسفيلد (توفي يونيو/حزيران الماضي)، ووزير الخارجية آنذاك كولن باول، إضافة إلى نائب الرئيس ديك تشيني. وقد كانت الحرب على الإرهاب، هي الشغل الشاغل لتك الإدارة، وكان التحرك الرسمي الأمريكي منصباً على استعادة الهيبة الأمريكية، بعد أن أعدت قائمة اتهام جاهزة ضد «محور الشر» لينطلق الشعار الأمريكي الشهير الذي أطلقه بوش «من ليس معي فهو ضدي»، الذي تجاوزه الزمن، وخصوصاً بعد التطورات الحاصلة في أفغانستان. فقد رسم ذلك الشعار خطوط الاصطفاف السياسي، وأنتج معادلة جديدة عنوانها التحالف ضد الإرهاب الذي تحركت بوصلته تجاه أفغانستان؛ حيث نظام حركة «طالبان» بزعامة الملا عمر المعادي أيديولوجياً للولايات المتحدة والذي يحتضن تنظيم «القاعدة» الإرهابي، وزعيمه آنذاك أسامة بن لادن، وهو تنظيم قويت شوكته في تلك الفترة، واستطاع ضمّ مقاتلين متشددين رسخوا وجودهم في الدولة الآسيوية منذ الهزيمة المدوية للاتحاد السوفييتي مطلع التسعينات.

رؤية مختلفة للوضع

اليوم، وبعد 20 عاماً من هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، وبعد حروب أطاحت أنظمة حكم وعمليات أمنية فككت خلايا متطرفة، ما زال هاجس التطرف ماثلاً أمام الجميع، وهو ما لا يمكن للولايات المتحدة تداركه بمفردها؛ بل باستمرار التنسيق مع مختلف الدول المحبة للسلام، مع الحرص على نشر قيم الوسطية والاعتدال. وبعد عقدين من ذلك الحدث الجلل، ما يزال التساؤل قائماً عن الحدود التي بلغتها الولايات المتحدة في صياغة تصور دولي لمكافحة الإرهاب، وهو تصور يجب ألا يخضع لحسابات السياسة الداخلية الأمريكية؛ بل وفق رؤية استراتيجية متكاملة، تقوم على تعريف دقيق للإرهاب، وتوعية مجتمعية تقطع الطريق أمام استغلال الدين كوسيلة للوصول إلى السلطة، وكستار للإقصاء والتكفير، خصوصاً في المنطقة العربية؛ حيث أصبح الإرهاب في بعض الدول يحظى بغطاء أيديولوجي شاذ ودعم رسمي خفي عبر ما يُعرف بحركات الإسلام السياسي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"