عادي

التوقف عن التطلع

23:35 مساء
قراءة 4 دقائق
unnamed

استطلاع: نجاة الفارس

منذ عدة عقود انتشر الحديث عن الدراسات المستقبلية في العالم العربي وعقدت ندوات ومؤتمرات وصدرت كتب تتناول هذا الحقل البحثي المهم، والآن لا يحدثنا أحد عن المستقبل فهل توقف المثقف العربي عن التطلع إلى الغد، يؤكد عدد من الكتاب والمثقفين في استطلاع ل «الخليج» أن تراجع الاهتمام بالدراسات المستقبلية بشكل كبير؛ يعود لأسباب أهمها، وقوع العالم العربي في منطقة متوترة من العالم، موضحين أن جائحة كورنا رغم فداحتها إلا أنها منحتنا رؤية أكثر إيجابية للمستقبل وأرغمتنا على البحث عن بدائل سهلة وسريعة لاستمرارية التواصل ولخدمة البشرية.

1
د. شعبان بدير

الدكتور شعبان أحمد بدير ناقد وأكاديمي في جامعة الإمارات العربية المتحدة، يقول: بدأت الدراسات المستقبلية في فترة متقدمة من تاريخ العالم وتحديداً مع مدينة أفلاطون الفاضلة تلك التي أطلق عليها اسم «أطلنطا» وتوقع أن يسود فيها العدل وينعم سكانها بالرفاهية والرخاء والإخاء، ثم جاء الفيلسوف الفرنسي فرانسيس بيكون في القرن السادس عشر الميلادي، لكي يضيف أبعاداً أخرى إلى تلك المدينة في كتابه «أطلنطا الجديدة» والتي تعتمد على العلم وتهدف إلى تحقيق مستويات الرفاهية في كافة نواحي الحياة».

ويضيف:« تأتي أهمية الدراسات المستقبلية في الاستكشاف وليس التنبؤ؛ في تحديد الاتجاهات التي يحتاج صانعو السياسات إلى إدراكها؛ وفي تقدير الأخطار والمخاطر التي قد تأتي على الطريق، وكذلك تحديد الفرص المحتملة والنتائج الإيجابية، وتساعد تلك الدراسات في الابتعاد عن الهوس بالماضي والحاضر العابر، للتركيز بشكل مباشر على كيفية العمل معاً لتحقيق مستقبل متحول ومحسّن بشكل كبير يشبه ما تمكنت مناطق أخرى من العالم من خلقه في الحاضر».

ويوضح الدكتور بدير الغريب أن الدول الكبرى بما وصلت إليه من تقدم هي الأكثر اهتماماً بالدراسات والرؤى المستقبلية بعيدة المدى؛ لأنها دول مستقرة ذات قدرات وإمكانات عالية، أما في عالمنا العربي فقد تراجع الاهتمام بالدراسات المستقبلية بشكل كبير؛ وذلك في تقديري يعود لأسباب أهمها، وقوع العالم العربي في منطقة متوترة من العالم وهي منطقة الشرق الأوسط، التي لا تلبث أن تهدأ إلا وتتقاذفها صراعات تلو صراعات، ولن يخفف من وطأة هذه التوترات سوى إنشاء إطار إقليمي أكثر تعاوناً اقتصادياً وسياسياً، والتعاون الدولي في إيجاد حل للصراعات والعمليات الإرهابية التي تهدد أمن المنطقة وترخي سحباً غائمة على مستقبله. أما السبب الثاني فيعود إلى عدم تبنّي رؤى مستقبلية طويلة الأجل، مما يجعل الدراسات المستقبلية عديمة القيمة ولا تجد طريقها إلى التنفيذ الفعلي على أرض الواقع، وهذا يحتاج إلى تبني أولوية الإصلاح الاقتصادي والاستثمار والتنمية، والاهتمام بالكفاءات والطاقات البشرية المواطنة التي تهاجر بحثاً عن مستقبلها فتكون سبباً في نهضة الغرب وتنميته، مع توفير الحماية الكافية للشعوب على اختلاف شرائحها ومستوياتها.

أيديولوجيات

ويلفت بدير إلى أن ما يضعف من نتائج الدراسات المستقبلية ويشكك في جدواها كذلك أن الرؤى المستقبلية في العالم العربي تتجاذبها اتجاهات وأيديولوجيات مختلفة، بعضها يروج لمستقبل ليبرالي قائم على الإنسانية والتعددية والقومية العلمانية والحكومة الديمقراطية، والبعض الآخر يروج لاتجاه قومي بينما روج اليساريون العرب لوجهة نظر اشتراكية للمستقبل يمكن من خلالها تحقيق التقدم من خلال إعادة هيكلة العلاقات الاقتصادية الدولية والمحلية، وهذا السبب يجعل العالم العربي منقسماً على حاله، ليس له رؤية موحدة ولا أهداف طويلة المدى مستقلة وواضحة، بل تتعلق بالقوى الكبرى التي تملك اليد الطولى في العالم اقتصادياً وسياسياً، مما يجعل الدراسات المستقبلية ونتائجها في مهب الريح لأنها تغرد دائماً خارج السرب.

ويقول: «الوضع الآن يجعل المجتمع العربي في حاجة ماسة إلى رؤى قوية لمستقبله من أجل حشد الموارد والسياسات الوطنية بطريقة استباقية تمكننا من مواجهة الأزمات الطارئة، وهذه الدراسات والرؤى المستقبلية هي التي جعلت الإمارات اليوم ثابتة وقادرة بنجاح من تخطي آثار فيروس كورونا في كافة الميادين الصحية والتعليمية والعملية».

حالة خاصة

1
أسماء صديق

أسماء صديق المطوع رئيسة ومؤسسة صالون الملتقى الأدبي، تقول:« لكل زمن وعصر استشراف خاص بمستقبله، وأعتقد أن جائحة كورونا رغم فداحتها إلا أنها منحتنا رؤية أكثر إيجابية للمستقبل، وأرغمتنا على البحث عن بدائل سهلة وسريعة لاستمرارية التواصل ولخدمة البشرية. الإمارات دائماً تسبق الزمن في كل الظروف بوضع خطط حديثة واستراتيجية متطورة مثل الحكومة الرقمية التي ساهمت بصورة كبيره في مواجهة جائحة كورونا، بفضل قيادتنا الحكيمة، والاستعداد لكل الظروف بحرفية عالية ومسؤولية والتزام جاد لخدمة الوطن والمواطن، خاصة خلال الفترة الماضية حيث أجبرت الجائحة المؤسسات من أجل حماية البشر، وقد أثبت العالم الرقمي جدارته في هذه المرحلة وساهم في استمرار العديد من الأنشطة الثقافية والمعارض وزيارة المتاحف وغيرها، لذلك فإن الاستعداد للمستقبل له دور مهم في حماية البشرية والحفاظ عليها في كل الظروف.

وتضيف المطوع: «لا شك أن ما بعد كورونا لن يكون كما قبلها، حتى على صعيد الدراسات المستقبلية والثقافة والأدب فلابد من الاستفادة من الثقافة الرقمية التي لها خصائص ذاتية تنفرد بها عن الأدب الذي نعرفه، ونتلقاه من الورق، مثل الصحيفة أو الدورية أو الكتاب، بل ذهب بعضهم إلى أنّ الأدب الرقمي لابدّ أن يكون له نقاده الذين يملكون أدوات وتصورات تختلف عن أدوات وتصورات الأدب الذي عرفناه».

وترى المطوع أنه مع أزمة جائحة كورونا سيصبح للعالم الرقمي دور أكبر في كل المجالات ومنها مجال الدراسات المستقبلية، وهذا واقع يجب أن نتعامل معه ونقبله.

1
د. طلال الجنيبي

ويرى الشاعر الدكتور طلال الجنيبي أن أزمة جائحة كورونا أحد الأسباب المهمة التي أوقفت التفكير في المستقبل لدى المثقف وغيره وأدت إلى التحفظ على عمل دراسات مستقبلية، فالاهتمام بمواجهة هذه المخاطر والخوف والتحديات الصحية والاقتصادية والمالية والنفسية أصبحت عناصر تتقدم على التفكير في المستقبل.

ويؤكد الجنيبي أن التفكير في المستقبل بقدر ما هو مثير للفضول والاندهاش والترقب بقدر ما يحمل في طياته تحديات كبيرة، كما أن فهم المستقبل لا يكون إلا بفهم وافٍ للواقع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"