قيم و«مبادئ الخمسين»

00:32 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

من يُدرك أن الحفاظ على القمة أصعب من الوصول إليها، ومن يعي أن شعبه لا يعرف المستحيل، ومن لا يقبل سوى بالرقم واحد بديلاً، لن يتوقف أبداً عن البحث ودراسة الواقع واستقراء حركة المجتمعات في ظل أوضاع عالمية تفاجئ الجميع بتغيرات متسارعة كل يوم بل كل ساعة، ولن يتوانى عن استشراف المستقبل ووضع المبادئ التي لا تكتفي بتكريس مكانة وطنه في الأعالي فقط، وإنما تضمن الصعود به خطوات إضافية إلى أعالي الأعالي، وهو ما فعلته وتفعله وستفعله دوماً قيادة الإمارات الحريصة على تقدم الوطن ورفاهية الشعب وتميز الدولة.

وثيقة «مبادئ الخمسين» لن تكون آخر ما تفاجئ به القيادة الإماراتية، الشعب والعالم، وهي تمثل الثوابت التي ستخرج من رحمها المفاجآت والقرارات والإنجازات والاتفاقيات والمشاريع التي تثبّت مكانة الدولة في القمة على مدار الخمسين عاماً المقبلة.

خمسون عاماً مضت، بَنت الإمارات خلالها نفسها على قيم الأصالة ومبادئ الارتقاء بالإنسان، لتشكل قصة نجاح تداول حكايتها الناس شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً. خمسون عاماً كانت خلالها نموذجاً للاعتدال السياسي في الإقليم ومسرحاً للإنجاز الاقتصادي، وأرضاً للتسامح تحتضن كل العرقيات والديانات والألوان، وتضمن حرية العبادة وحرية العيش للجميع، وميداناً للتنافس الحر والإبداع والتألق والابتكار، يرحب بكل موهوب وجاد في البحث عن فرصة للتميز وتحقيق الذات، لتشكل النموذج المبهر عالمياً، والحلم للشباب العربي وغير العربي.

اليوم تستعد الإمارات لاستقبال الخمسين الثانية، بوثيقة مبادئ تؤكد القيم الأصيلة التي أرساها الآباء المؤسسون، ولا تخرج عن كونها قامت على حلم إنساني وتميزت بأفعال إنسانية واستهدفت تميز وأمن واستقرار وسلام ورفاهية الإنسان، وهو ما لا يتحقق إلا عندما تكون التنمية المستدامة هدفاً، وتقوية الاتحاد أولوية، وبناء الاقتصاد الأفضل والأنشط نهجاً، وتفرض المبادئ على جميع مؤسسات الدولة المحلية والاتحادية، العمل على بناء أفضل بيئة اقتصادية عالمية والحفاظ على المكتسبات التي تم تحقيقها خلال الخمسين السابقة، ليكون المحرك الرئيسي المستقبلي للنمو هو رأس المال البشري، ويلزمه لكي يكون سباقاً وقادراً على قيادة المستقبل، وتطوير التعليم، واستقطاب المواهب، والحفاظ على أصحاب التخصصات، والبناء المستمر للمهارات، والحفاظ على التفوق الرقمي والتقني والعلمي حتى يتم ترسيخ الإمارات كعاصمة للمواهب والشركات والاستثمارات.

وباعتبار أن هدف السياسة هو خدمة الاقتصاد، وهدف الاقتصاد هو توفير أفضل حياة للإنسان، أكدت الوثيقة أن السياسة الخارجية لدولة الإمارات هي أداة لخدمة الأهداف الوطنية العليا، وعلى رأسها المصالح الاقتصادية، فالاقتصاد هو المركز والمحور والمرتكز الذي تدور في فلكه السياسة، وتخدم تنشيطه مختلف القطاعات.

المبادئ أيضاً تضع القواعد التي تحكم علاقة الإمارات بالخارج، وتعبر عن قناعاتها في أساليب التعامل مع الآخر، وهي امتداد للقواعد التي انتهجتها الدولة في سياستها الخارجية خلال الخمسين الأولى، وخلقت لنفسها بها سمعتها العالمية، حيث تعتبر أن حسن الجوار هو أساس الاستقرار. والمحيط الجغرافي والشعبي والثقافي الذي تعيش ضمنه الدولة، يعتبر خط الدفاع الأول عن أمنها وسلامتها ومستقبل التنمية فيها.

تتعهد المبادئ بأن تبقى منظومة القيم قائمة على الانفتاح والتسامح، وحفظ الحقوق وترسيخ دولة العدالة، وحفظ الكرامة البشرية، واحترام الثقافات، وترسيخ الأخوّة الإنسانية واحترام الهوية الوطنية، ودعم كل المبادرات والتعهدات والمنظمات العالمية الداعية للسلم والانفتاح والأخوّة الإنسانية.

واستكمالاً لنهج ممتد منذ التأسيس تؤكد الوثيقة أن المساعدات الإنسانية الخارجية جزء لا يتجزأ من مسيرة الدولة والتزاماتها الأخلاقية تجاه الشعوب الأقل حظاً، وتصل إلى قمة الرقي السياسي بتأكيدها أن الاختلاف السياسي مع أي دولة، لا يبرر عدم إغاثتها في الكوارث والطوارئ والأزمات.

ولأنها منذ الميلاد كانت داعية سلام، فقد حرصت على تأكيد ذلك، حيث نص المبدأ العاشر على أن الدعوة للسلم والسلام والمفاوضات والحوار لحل كافة الخلافات، هي الأساس في السياسة الخارجية، والسعي مع الشركاء الإقليميين والأصدقاء العالميين لترسيخ السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي يعتبر محركاً أساسياً للسياسة الخارجية.

الإمارات دولة يتزامن لديها القول مع الفعل، ففي يوم الإعلان عن الوثيقة، كان إطلاق «مشاريع الخمسين» وهي 50 مشروعاً استراتيجياً تنموياً بعدد سنوات عمر الدولة، تغطي مجموعة من القطاعات الحيوية، وتعزز مكانتها الاقتصادية والاستثمارية عالمياً، وتترجَم بقرارات وكيانات تعبر بالمواطن والمقيم إلى المستقبل، حاملاً معه قيم الأجداد، ومبادئ تعبّر عن رؤى قادة لا يقبلون سوى بالتميز والتفوق.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"