عادي
اسأل الخليج

«ماهي كابويرا» وعلاقتها بفنيات اللاعبين البرازيليين؟

16:44 مساء
قراءة 6 دقائق
رياضي في الكابويرا يستعرض مهاراته
البرازيلي نيمار استفاد من الكابويرا لزيادة مهارته الفنية
الدولي الإنجليزي السابق ستوريدج يتعلم أصول اللعبة
لويس ناني يمارس الكابويرا
إعداد: معن خليل
يسأل البعض عن سر فن اللاعبين البرازيليين خلال ممارستهم كرة القدم، لذلك أسباب كثيرة، لكن من ضمنها إجادتهم لبعض الرقصات الشعبية في بلادهم، فهل سمع أحد مثلاً عن الـ«كابويرا»؟
قد تكون رقصة «السامبا» أكثر شهرة في البرازيل، لكن «كابويرا» لها تاثير كبير في تكوين اللاعب البرازيلي المهاري، وهي أحد الفنون القتالية البرازيلية التي مارسها سكان الغابات في إفريقيا قبل انتقالها إلى «بلاد السامبا».
كان البرتغالي المهاري لويس ناني نجم مانشستر يونايتد السابق أحد الذين مارسوها، وهذا ليس غريباً عليه، فهو أحد أبناء المهاجرين إلى البرتغال الذي تعود جذوره إلى بلد الرأس الأخضر، وبذلك أتقن رقصة أجداده التي تحولت مع مرور الزمن إلى رياضة أتقنها أيضاً معظم لاعبي البرازيل ولاسيما المشاهير منهم في العصر الحديث رونالدينيو ونيمار ومارسيلو، ويقال أصلاً إن سبب الفنيات العالية التي يتمتع بها اللاعبون البرازيليون تعود إلى ممارستهم اليومية لرقصات مثل «السامبا» و«كابويرا» التي تجذرت في الثقافة الشعبية، وأصبحت لاحقاً «رياضة السلام».
واشتهر لويس ناني عادة بعد تسجيله للأهداف مع فريقه السابق مانشستر يونايتد الذي انضم إليه عام 2007 قادماً من سبورتينغ لشبونة قبل أن يتركه عام 2015 إلى فنربخشة التركي ثم إلى فالنسيا في 2016، باحتفالية «الطيران في الهواء»، ومن سوء الحظ فإن المشجعين لم يتعرفوا إلى سر الجناح البرتغالي في إتقانها إلا عند تقديمه لاعباً لفالنسيا، حيث قام ببعض الحركات البهلوانية أمام عدسات المصورين.
يقول لويس ناني الذي يلعب منذ 2019 مع أورلاندو الأمريكي: «تعلمت من الكابويرا الكثير من الحيل القتالية، وعندما أسجل هدفاً أقوم بالشقلبة قفزة أو قفزتين».
ويتابع ناني: «لو لم أكن لاعب كرة لمارست الكابويرا مع أصدقائي، إنها إحدى هواياتي وبدأت أستمتع بها كثيراً عندما تعلمت بعض حركاتها جيداً، وفي فترة قصيرة أصبحت أفضل من في المجموعة، حلمي بكرة القدم يأتي في المقام الأول طبعاً، لذا توجب عليّ الاختيار بين كابويرا والكرة، لكنني اخترت كرة القدم بعدما وجد أصدقائي لديّ الموهبة فيها منذ انضمامي لصفوف شباب سبورتينغ لشبونة عام 2000».
وسبق للبرازيلي نيمارالنجم الحالي لنادي باريس سان جيرمان أن ظهر في شريط فيديو، وهو يمزج بين فن «كابويرا» ولعبة كرة القدم ويقوم بحركات مدهشة، وأغلب الظن أن حركته المذهلة وهو يقوم بالمراوغة والانتقال من جهة إلى أخرى اكتسبها من هذه الرقصة الرياضية التي تلقى رواجاً كبيراً في الأحياء الشعبية بالبرازيل، ويتقنها الأطفال هناك بالفطرة.
وخلال معسكر تدريبي سابق لمنتخب البرازيل، وقف الكثيرون ممن حضروا تدريبات «فريق السامبا» مذهولين تجاه حركات التحدي في «الكابويرا» بين اللاعبين نيمار ومارسيلو ظهير أيسر ريال مدريد الإسباني وأندرسون هيرنانيس لاعب وسط نادي يوفنتوس الإيطالي السابق.
علامة تجارية
وحتى الكاتب البريطاني الشهير أليكس بيلوس مؤلف كتاب «كرة القدم...الحياة على الطريقة البرازيلية» الذي أصدر نسخته الأولى في عام 2001، تحدث عن أهمية «الكابويرا» في كرة البرازيل وكتب «يلعب البرازيليون كرة القدم بطريقة مختلفة وأصبحت علامة تجارية خاصة بهم، إنها السامبا...إنهم يلعبون وكأنهم يرقصون الكابويرا، أي كأنها رغبة السود في تجنب الاحتكاك بالبيض فى أرض الملعب، وهذه من خلقت المهارة عندهم، والقدرة على الالتفاف على الخصم والتمويه بالأجساد ومناورات بالأرجل والأرداف».
ربما كلام أليكس بيلوس هو من جعل لاعبي المنتخب الإنجليزي يتعرفون إلى هذه الرياضة وأحبوها خلال زيارة لهم لفافيلا أحد الأحياء الفقيرة في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، وذلك خلال مشاركتهم في منافسات مونديال 2014.
وتمرن لاعبون مثل دانييل ستوريدج وجاك ويلشير وآدم لالانا على إتقان «الكابويرا» التي قال عنها لالانا: «اكتشفنا الدور القوي والفريد الذي تلعبه هذه الرياضة في البرازيل».
كما أن رياضات أخرى استفادت من «الكابويرا» ومنها المصارعة الاستعراضية، حيث تكثر حركاتها من قبل بعض نجوم المصارعة وإن كان كثيرون يجهلون أصول هذه الحركات القتالية.
كما كان للرياضة التي مارسها الأفارقة منذ القرن السادس عشر وأتقنها البرازيليون لاحقاً، وجود كثيف في عالم السينما، عبر العديد من الأفلام القتالية وأفلام الكرتون.
وأبرز الأفلام الهادفة لهذه الرياضة «القوي الوحيد» الذي أنتج عام 1993 ويدور حول عودة بطل الفيلم من خدمته بالجيش الأمريكي، حيث ظل لفترة في البرازيل تعلّم خلالها فن القتال هناك وعاد إلى بلدته ليجد عصابات المخدرات في مدرسته الثانوية القديمة ليتمكن من طردهم بواسطة «الكابويرا» وليبدأ في تعليمها لطلاب المدرسة.
رقص العبيد
وكان اللاعب الإنجليزي لالانا صادقاً في الوصف عندما تحدث عن الدور الفريد لـ«الكابويرا» في البرازيل، فهي ليست مجرد رياضة من الفنون القتالية التي تستخدم أيضاً للتعبير والترفيه عن النفس وحسب، بل هي ثقافة قديمة أتقنها أولاً العبيد الذين نقلهم البرتغاليون من غابات إفريقيا إلى البرازيل.
وقد اختلف المؤرخون حول سبب تسمية «الكابويرا»، وإن كان هناك اتفاق على أن الكلمة عائدة إلى حشائش مرتفعة تنبت في الحقول البرازيلية كان العبيد يقطعونها لعمل دائرة يمكنهم لعب «الكابويرا» داخلها خفية، دون أن يراهم أحد من الخارج.
ومن المفارقات أن «الكابويرا» تجمع أشياء كثيرة، منها الرقص والقتال والأغاني والموسيقى، وهي بدأت أولاً كوسيلة ترفيه عن النفس، ومن ثم وسيلة للعبيد للهروب من مزارع التجار البيض بحثاً عن الأمان والحياة بحرية في أماكن أخرى، لذلك زادوا عليها حركات الفنون القتالية التي تشبه الكاراتيه وغيرها.
وكان الإسبان والبرتغاليون يحظرون على العبيد الذين يأتون من إفريقيا أن يتعلموا القتال، فاضطر هؤلاء إلى التظاهر بأن «الكابويرا» نوع من الرقص، وبقي العمال في المستعمرات يتدربون على حركات «كابويرا» التي تشبه الحركات الراقصة، ليحتفظوا بلياقتهم البدنية انتظاراً لوقت يقاتلون فيه المستعمر لنيل حريتهم.
ومرت «الكابويرا» بعد ذلك بالعديد من المحطات التي بلورتها كرياضة ثقافية وإنسانية، أهمها عام 1888 عندما ألغيت العبودية، حيث خرج المهاجرون الأفارقة من المزارع وسكنوا المدن والأحياء، وقد علّموا حركات الرياضة إلى أطفال الشوارع فأتقنوها لإثارة إعجاب السياح وجمع المال منهم.
تراث ثقافي ولأنها ابتدعت أصلاً من أجل الدفاع عن النفس وطلباً للحرية من قبل العبيد، أصبحت «الكابويرا» حديثاً «رياضة السلام»، كما اعتبرتها منظمة «اليونسكو» في 26 نوفمبر عام 2014 «تراثاً ثقافياً غير مادي»، بعدما تم نشرها وتدريسها ولا سيما بعد عام 1970 في جميع أنحاء العالم كجزء من الثقافة البرازيلية، وقد تم تأسيس مدارس لها على غرار مدارس «السامبا» تجذب سنوياً الآلاف من الطلاب والسياح الأجانب.
وتستخدم «الكابويرا» حالياً كأداة رياضية لإحداث تغيير اجتماعي إيجابي، وقد أنشئت عدة مؤسسات غير حكومية تعنى بمهام نشر السلام في العالم، ومنها منظمة مقرها بريطانيا تعمل مع الشباب في مناطق الصراع في الشرق الأوسط، وأخرى تعمل في جمهورية الكونغو الديمقراطية ومثلها مع أطفال الشوارع في كولومبيا.
كما أن لهذه الرياضة وجوداً مميزاً في بعض الدول العربية مثل مصر وفلسطين والأردن وسلطنة عمان ولبنان، وقد أدخلتها «اليونيسيف» ضمن برامجها في العناية بلاجئين من العراق وسوريا الذين عاشوا في مخيمات هرباً من الحرب في بلادهما.
كيفية المنافسة
وإذا كانت «الكابويرا» رياضة، فإن السؤال: عن نوعية وكيفية المنافسة التي تجرى فيها؟ الإجابة أنه لا يوجد فائزون وخاسرون، بل هي مجرد القيام بحركات أثبتت التجارب أنها قادرة على إيجاد المزيج الخاص من النواحي الاجتماعية والفنية والبدنية، وهي تقوم على فلسفة روح الجماعة.
ورغم حركاتها التي تشي بأنها رياضة فنون قتالية فإنه ليس في «الكابويرا» أي ضرب للخصم، بل هي تعبير عن المرح والمتعة من خلال الموسيقى والرقص والألعاب البهلوانية والحركات القتالية.
وفي الجانب الفني تحتاج «الكابويرا» إلى تدريبات مكثفة للوصول إلى المرونة والتركيز والقوة اللازمة لتقديم استعراض مميز، وهي نوعان أحدهما سريع خفيف يسمى «هيغوانو» ويمتاز بالحركات الأكروباتية والبهلوانية، والآخر بطيء مركّز ويسمى «أنغولا» ويحتاج إلى قوة كبيرة وتركيز شديد ليحفظ اتزان اللاعب. ووضعية «الجينجا» هي الوضعية الأساسية في اللعبة، وهي عبارة عن حركة دائبة يقوم بها اللاعب أو الراقص يميناً ويساراً مستخدماً قدميه ويديه في استعداد يشبه البدء في الانقضاض على الفريسة.
وبالنسبة لـ«هيغوانو» فهي «الكابويرا» السريعة، أي أن حركاتها تؤدى بسرعة ويغلب عليها الطابع الاستعراضي، حيث تكثر فيها الحركات الأكروباتية التي تتطلب المرونة الفائقة وسرعة البديهة، ويعتبر هذا النوع من «الكابويرا» حديث العهد، حيث طوره وابتدع الكثير من حركاته مانويل دوس رايس الذي كان يعرف باسم «ميستر بيمبا»، وذلك في الثلاثينيات من القرن العشرين، ويعد أول من افتتح أكاديمية متخصصة بتعليم فنون الكابويرا وثقافتها.
أما «أنغولا» فهي اللعبة الأساسية التي اشتقت منها الكابويرا السريعة، وتمتاز هذه اللعبة بحركاتها البطيئة جداً والتي تتطلب دقة التركيز والقوة الهائلة في المحافظة على التوازن، حيث تغلب عليها الحركات الأرضية والوقوف على اليدين، وهي من الفنون القتالية القديمة والرائعة للدفاع عن النفس وتسمى أسلوب النمر.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"