عادي
هل تقود تكساس عالم التشفير القادم؟

تحالف «بيتكوين» والغاز الطبيعي يلهب الأسعار

01:58 صباحا
قراءة 5 دقائق
-
دبي: هشام مدخنة

بعد التقارير الأخيرة عن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي إلى أعلى مستوى على الإطلاق، وما قد يخلّفه استمرار ذلك من ضغوط مرتبطة بالإنفاق تهدد الانتعاش الاقتصادي من الآثار التي خلّفها وباء كورونا، يبحث المحللون عن الأسباب التي قفزت بعقود الغاز الطبيعي 1.2% لتغلق عند 4697 دولار الجمعة، ويرجح البعض بأن يكون للتحديث الأخير القادم من ولاية تكساس يدٌ فيما حصل.

وفي حي من أحياء هيوستن، اجتمع مؤخراً مئتا شخص من عشاق ال «بيتكوين» وعمال المناجم ومسؤولون تنفيذيون في قطاع النفط والغاز الطبيعي في تكساس وكاليفورنيا وكولورادو ولويزيانا وبنسلفانيا ونيويورك بالإضافة إلى أستراليا والمملكة المتحدة، وتدارسوا حال صناعتين هما على طرفي نقيض من الأطياف المهنية والاجتماعية. ولكن يبدو أن عالم هاتين المجموعتين يتصادم بسرعة ويجمع الرفقاء حول العالم على طاولة واحدة.

وكان العنوان العريض للاجتماع هو تسخير الغاز الطبيعي الوفير لتشغيل منصات تعدين البيتكوين بدلاً من الكهرباء، مما يقلل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ويجني مزيداً من الأموال لكل من مزودي الغاز وعمال المناجم الرقميون. ومن المتوقع أن يكون دعاة حماية البيئة من أول المناصرين للمشروع إن رأى النور بتوجهاته الحقيقية، فلطالما نادوا بطرق بديلة عن الاستجرار المكثف للكهرباء من مصادر كربونية في عمليات التعدين المشفرة، لننتظر ونرى..

هجرة جماعية

من بين الحاضرين، هايدن جريفين هابي، والذي تحول من «رجل نفط» إلى «بيتكوينر». أمضى هذا الرجل المولود في تكساس 14 عاماً في مجال النفط والغاز، وهو اليوم يدير شركة النفط الخاصة به «ماونتن ليون».

ولكن خلال الأشهر التسعة الماضية، كرّس هابي معظم وقته للعمل في مجال تعدين ال «بيتكوين»، حيث شارك في تأسيس شركة «ليمبيا كريك تكنولوجيز»، التي تزود منصات تعدين البيتكوين بأصول الغاز الطبيعي، وبات مديراً لتطوير الأعمال داخل الشركة.

يقول هابي: «عندما سمعت أنه باستطاعتك جني هذا القدر من المال من الغاز الطبيعي بطرق مختلفة عوضاً عن مجرد حرقه في الغلاف الجوي، لم أستطع الوقوف متفرجاً وتجاهل ذلك، والفضل كله يعود لعمليات تعدين البيتكوين».

وعندما طردت الصين عمال المناجم الرقميين وصانعي العملات المشفّرة هذا الربيع، نزحوا جميعاً بحثاً عن منازل جديدة وشواطئ أكثر ودية، هجرةٌ سميت ب «تشيكسيت Chexit»، على غرار «بريكسيت» حسبما وصفها هابي مازحاً، وقال: «هذه فرصة لم نعتقد يوماً أنها قادمة، وعلينا في تكساس استغلالها. والجميع هنا مقتنع بأن الولايات المتحدة مستعدة لاحتضان معظم عمال البيتكوين الصينيين وغيرهم ممن يرجون ملاذاً آمناً».

يبحث عمال تعدين العملات المشفرة باستمرار عن مصادر رخيصة للكهرباء، لذلك فإن تكساس، مع سياسييها المغرمين بالصناعة، وشبكة الطاقة الضخمة وغير المكلفة، تُعد الخيار الأمثل عملياً لهم. وسيصبح هذا الاتحاد «بيتكوين-غاز» أكثر انسجاماً عندما يربط عمال المناجم الرقميون «حفاراتهم» بمصدر طاقة غير تقليدي، وهو الغاز الطبيعي الذي يُهدر وسط حقول النفط في جميع أنحاء الولاية.

شحذ الهمم

يبدو أن قضية استخراج الغاز الطبيعي الفائض والمهدر من مواقع الحفر واستخدام هذه الطاقة لتعدين البيتكوين باتت في طليعة اهتمام الأعمال التقنية المبتكرة للعصر الجديد. وباركر لويس، هو أحد سفراء البيتكوين الفعليين في ولاية تكساس. الكل يعرفه ويحبه، وعملياً، عندما تسأل أي «بيتكوينر» يشير إليه بوصفه عمدة مدينة أوستن في المستقبل، رغم أنه لا يعمل في السياسة.

لويس هو مدير تنفيذي في «أنشيند كابيتال»، وهي شركة خدمات مالية متخصصة في العملة الرقمية، تراه يجتهد في جميع أنحاء الولاية لدعم أكبر عملة مشفرة في العالم، وكان من بين الحاضرين في الاجتماع الأخير.

قال لويس لشبكة سي إن بي سي: «إذا نظمنا العمل جيداً، ستكون هيوستن أول من يعلن الارتباط بين الطاقة والتعدين بمضمونه الجديد، وستكون مفتاح اعتماد تكساس عاصمة عالمية للبيتكوين».

من جانبه قضى أليخاندرو دي لاتوري، عامل منجم رقمي شاب مولود في إسبانيا، سنوات من عمره في تعدين عملات البيتكوين في جميع أنحاء العالم، إلى أن استقر به الحال قبل فترة في الصين. ولكن بعد اتخاذ بكين إجراءات صارمة وحملات مناهضة للعملات المشفرة، توجه دي لاتوري إلى الولايات المتحدة، وتحديداً إلى ولاية تكساس، وهو اليوم نائب الرئيس في شركة «بولينج.كوم» المتخصصة في هذا القطاع، وشحن معدات التعدين الحديثة معه إلى مقر عمله الجديد.

لم يكن هؤلاء من أباطرة المال يوماً، هم في الغالب من التنفيذيين الناشئين والجائعون للمضي قدماً في الصناعة وتخليد اسمهم عبر المجازفة بتعدين العملات المشفّرة وعلى رأسها «بيتكوين».

تقريب المسافات

لسنوات مضت، كافحت شركات النفط والغاز لحل مشكلة ما يتعين عليها القيام به عندما تصطدم بالخطأ بحقل غاز طبيعي أثناء التنقيب عن النفط. ففي حين أنه يمكن بسهولة نقل النفط بالشاحنات إلى وجهة بعيدة، فإن توصيل الغاز يتطلب خط أنابيب مخصص وفائق الجودة.

وفي كثير من الأحيان، لن يكون بئر الغاز كبيراً بالحجم الذي يضمن الوقت والتكلفة لبناء خط أنابيب جديد تماماً. وإذا لم تتمكن شركة النفط ومسؤولو الحفر من بيع مخزون الغاز الطبيعي سريعاً، يتخلصون منه في الموقع. وتتمثل إحدى الطرق في «تنفسية»، أي إطلاقه مباشرة في الهواء، وهو خيار بيئي سيئ جداً يعزز ظاهرة الاحتباس الحراري أكثر من ثاني أكسيد الكربون. ويبقى الخيار الأكثر ملاءمة للبيئة من خلال إشعال الغاز بشكل معتمد وخاضع للرقابة.

في كلا الحالتين، يضيع الغاز الطبيعي بكميات كبيرة في حقول تكساس وفضائها دون استغلال جيد. وأظهرت إحصائيات الإنتاج الحديثة أنه في الولايات المتحدة وحدها يُهدر حوالي 1.5 مليار قدم مكعبة من الغاز الطبيعي يومياً، مع توقعات بأرقام فعلية أعلى من هذه بكثير.

وبالحديث عن العملات المشفرة، فهذا هو الوقت والظرف المناسبين ليكون تعدين البيتكوين في الموقع مؤثراً بشكل خاص، من خلال منشآت تعدين متخصصة وقريبة من الحقول تستمد طاقتها اللازمة للتعدين من حرق الغاز الطبيعي، مما يعود بالفائدة الكبيرة والمستدامة اقتصادياً وبيئياً على شركات النفط والغاز والمناجم الرقمية.

وأوضح آدم أورتولف، مدير تطوير الأعمال لشركة «أبستريم داتا» في الولايات المتحدة، المتخصصة بتصنيع وتوريد حلول التعدين لمنشآت النفط والغاز، أنه في عام 2018، كان مفهوم تعدين البيتكوين باستخدام الغاز المشتعل أمراً مستغرباً، لكنه أفضل هدية يمكن أن تحصل عليها صناعة الغاز التي لم تعد مقيدة بالجغرافيا لبيع الطاقة. واليوم تزدهر الأعمال في شركة أبستريم، وهي تعمل مع 140 منجم بيتكوين عبر أمريكا الشمالية.

لا يتعلق الأمر بالدفاع عن عشرات الملايين من الناخبين والمؤمنين بعملة البيتكوين فقط، بل أيضاً عبر نشاط سياسي يحمي المخططات ويوسع نطاق الأعمال من خلال تنصيب أشخاص متشابهين في التفكير في مناصب سياسية. وهذا ما تم طرحه على طاولة الاجتماع الأخير في هيوستن سعياً لأن تبقى رؤى تعدين البيتكوين ضمن مسارها الصحيح في ظل تدافع السياسيين في واشنطن لتنظيم التشفير وجميع الخدمات الإضافية التي ترسم النظام البيئي الأوسع للعملات الرقمية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"