غد الموسيقى في حاضرها

01:45 صباحا
قراءة دقيقتين

هل خطر على بالك أن تتصور مستقبل الفنون العربية؟ لا تحسبنّ المئة عام رقماً نجومياً. كاتب الخيال العلمي الفرنسي جول فيرن، في أحد أعماله سنة 1863، «باريس في القرن العشرين»، يتخيل كيف ستكون الموسيقى في العام 1960: «ميشيل: سنعزف شيئاً من الموسيقى، لكن، لا داعي إلى الموسيقى الحديثة فهي صعبة جداً. الموسيقار جاك: اجلس على أصابع البيانو. ميشيل: كيف هذا؟ جاك: أقول لك اجلس. يجلس ميشيل على أصابع البيانو محدثاً هارموني صاعقة. جاك: ها أنت تصنع الموسيقى الحديثة. ثم يجلس جاك إلى البيانو ويهوي عليه بأنامله، بيديه، بمرفقيه. يسأله ميشيل: وما هذا؟ يجيبه: في زماني سوف يفهمني الناس».
جول فيرن لم يخطئ الهدف ولا حتى بملليمتر، بل إن ما تصور مجيئه بعد قرن أتى قبل ذلك بعقود، فالموسيقى اللامقامية (آتونال) ظهرت قبل 1960. بالمناسبة، إلى الآن لم يجرب الموسيقيون العرب اللامقامية. هذه ليس فيها «يا ليلي يا عيني» ولا «ياللنّي أمان». الرؤوس التي تنتظر الترنح كرقاص الساعة الحائطية، تخلع النعلين وتهرب. القلم ليس من المتيمين بهذا اللون، لا بشونبرج ولا بيير بوليز، غير أن الإعراض عن الفهم والإدراك والتدقيق والتحقيق تقصير فكري.
طريقة الاستعانة بالماضي في الاستشراف قد تكون مساعدة: كيف يكون رأي أحمد شوقي، حتى لا نذهب إلى أبي العلاء، لو عُرضت عليه نصوص أدونيس؟ ماذا لو عرضت أعمال شتوكهوزن على بيتهوفن؟ بل ماذا لو سمعت لجنة القصبجي، محمد عبدالوهاب... «مقطوعةركبني المرجيحة»؟ ماذا لو قالت صاحبة الصوت لأم كلثوم: أنا فنانة مثلك؟ الحل بسيط، هو جوهرة بيان سعد زغلول:«مفيش فايدة، غطيني يا صفية».
ها نحن وصلنا إلى المراد. لقائل أن يقول: إن الماضي أفضل في الآداب والفنون، والبراهين مجرّة شموس: الأشعار الكلاسيكية أروع من الحداثوية. جلال الدين الرومي أعظم من كل شعراء الحداثة في جميع اللغات. بدائعنا الكلاسيكية أثرى من كل قصائد النثر.
 باخ وموتزارت لا يقارنان بأي أعمال حديثة. لكن ذلك يحتاج إلى توضيح حتى لا يظن المتطفلون أن التهريج والتزوير أيضاً إبداع. أرنولد شونبرج وبيير بوليز وكثيرون غيرهم، ذهبوا إلى بعيد في التجديد والغرائبية، لكنهم علماء عارفون، باحثون محققون مدركون، لم يقتحموا الميدان فضولاً وتنطعاً. لهذا أسماؤهم باقية.
لزوم ما يلزم: النتيجة الاستباقية: يجب فرض مقاييس الطب والهندسة... لا بد من الأسس النظرية والعملية لدخول الساحة، وقاية من الطفيليات الضارة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"