عادي

تصفية تمرد درعا.. تداعيات سياسية وعسكرية

01:27 صباحا
قراءة 4 دقائق
وحدات من الجيش السوري تنتشر في درعا البلد (أ ف ب)

د. محمد فراج أبو النور *

دخول الجيش السوري إلى «درعا البلد» وأريافها خطوة ذات دلالات وتداعيات معنوية وسياسية وعسكرية مهمة، ليس بالنسبة لسوريا وحدها، بل تمتد انعكاساتها إلى الوضع الإقليمي بمجمله، بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية الكبيرة للجنوب الغربي السوري المحاذي للحدود مع إسرائيل غرباً، ومع الأردن جنوبًا، وإلى الوجود الإيراني في محافظة درعا وإلى دور روسيا كضمان للاستقرار في هذه المنطقة بالغة الحساسية.

معروف أن الجيش السوري سيطر على الجزء الشمالي من مدينة درعا درعا المحطة في يوليو 2018 بموجب اتفاق حول «مناطق خفض التصعيد»، لكن الاتفاق لم يشمل الأحياء الجنوبية من المدينة (درعا البلد وأريافها)، التي ظلت تحت إدارة فصائل المعارضة المسلحة بأسلحة خفيفة بعد تسليم أسلحتها الثقيلة والمتوسطة. وظلت «درعا البلد» منطقة مناوئة سياسياً وعسكرياً لدمشق تنطلق منها الهجمات والعمليات الإرهابية ضد تمركزات ودوريات الجيش من وقت لآخر، وتمثل ثغرة في سيطرة دمشق على الجنوب الغربي للبلاد. ومعروف أن درعا بمجملها من أهم مراكز نفوذ «الإخوان المسلمين» وأنها كانت نقطة انطلاق التحركات المعادية للنظام في إطار ما سُمي «الربيع العربي» عام 2011.

اتفاقات ومراوغات

وبعد إعادة انتخاب الرئيس السوري بشار الأسد في مايو (أيار) الماضي تزايدت العمليات الإرهابية انطلاقاً من درعا البلد وأريافها، الأمر الذي دعا دمشق إلى حشد المزيد من قواتها والقوات الحليفة لتصفية التمرد في هذه المنطقة، وشهد محيط درعا البلد اشتباكات عنيفة بين الطرفين، وتدخلت القوات الروسية ومركز «حميميم» لوقف إطلاق النار، وعقد اتفاق لإخلاء درعا البلد من المسلحين، لكن مراوغة الجماعات المسلحة أفشلت أكثر من اتفاق، حتى تمكن الضغط العسكري من إجبار هذه الجماعات على قبول الاتفاق الأخير، الذي تم بموجبه دخول قوات الجيش السوري، وإقامة نقاط تمركز لها في أحياء المدينة، ونزع سلاح عناصر الجماعات، وتفتيش المنازل.. وهذه نقطة بالغة الأهمية.. وترحيل غير الموافقين على التسوية إلى الشمال السوري، وإزالة الحواجز بين شمال المدينة وجنوبها، وداخل الأحياء الجنوبية، والقرى المحيطة، ورفع الأعلام السورية على المباني.

وبدأ بالفعل تنفيذ الاتفاق تحت إشراف روسي، وبمشاركة الشرطة العسكرية الروسية، كما بدأ إخلاء محيط المدينة من الميليشيات الموالية لإيران لتحل محلها قوات الفيلق الخامس السوري الذي يعمل بتنسيق وثيق مع القوات الروسية.

وهكذا يمكن القول إن الجيش السوري قد بدأ عملية السيطرة على درعا البلد وأريافها، وجرى ترحيل نحو 900 من عناصر الجماعات المسلحة إلى الشمال السوري.

أبعاد سياسية واقتصادية

الأمر المؤكد أن تنفيذ الاتفاق يمثل انتصاراً معنوياً وسياسياً كبيراً لدمشق، فضلاً عن كونه انتصاراً عسكرياً، فالسيطرة على درعا بأكملها كمدينة وكمحافظة، هي تأكيد جديد لشرعية الحكم في دمشق ولهيبته، كما أن وقف المعارك وفرض الاستقرار يمثلان رسالة مهمة للأطراف الإقليمية والدولية، ويكفي أن نشير إلى أن المعارك وما يترتب عليها من تدفق النازحين (40 ألفاً تقريباً) قد أدت إلى قيام الأردن بإغلاق معبر نصيب مع سوريا في أواخر شهر يوليو، وهو المعبر الذي يمثل منفذاً تجارياً بالغ الأهمية لسوريا، كما يمكن القول إن بوابة سوريا إلى الخليج العربي هي الأردن.. والآن تتهيأ الظروف لإعادة افتتاح المعبر كما يمكن استئناف النشاط الاقتصادي في المنطقة عموماً، بما يمثله من دعم للاستقرار السياسي ومساهمة في منع انتشار الإرهاب والتطرف.

وهناك أيضاً نقطة بالغة الأهمية تتعلق بخطة إمداد لبنان بالغاز المصري والكهرباء الأردنية، التي يمر مسارها بمحافظة درعا، وهي خطة بالغة الأهمية بالنسبة لسوريا ولبنان على السواء.

أبعاد عسكرية إقليمية ودولية

لا شك سيطرة الفيلق الخامس السوري على درعا ومحيطها تمثل مكسباً عسكرياً مهماً للجيش السوري.

والحقيقة أن وجود القوات الإيرانية والموالية لإيران في محافظة درعا يمثل مشكلة سياسية كبيرة لسوريا، فهو وجود يرتبط بأهداف إيران في احتلال مركز عسكري متقدم بالقرب من الحدود الإسرائيلية لاستخدامه ورقة ضغط على إسرائيل من ناحية، وورقة في المفاوضات النووية الأمريكية – الإيرانية من ناحية أخرى، وعنصر قوة لإيران في أية تسوية سورية أو إقليمية من جهة ثالثة.

ومعروف أن إسرائيل ترفض الوجود الإيراني في سوريا عموماً، وترفضه في المناطق القريبة من حدودها بصورة قاطعة، وتوجه إليه الضربات الجوية باستمرار، ومعروف كذلك أن تعاون إسرائيل مع روسيا في إخلاء منطقة الحدود السورية الإسرائيلية من إرهابيي «النصرة» والفصائل المتعاونة معها، قد ارتبط بتعهد روسي بإبعاد قوات إيران والميليشيات المرتبطة بها لمسافة 80كم على الأقل عن الحدود الإسرائيلية، وهو ما لم تلتزم به إيران وميليشياتها، حيث تواصل التغلغل في المنطقة وتحاول الاقتراب من الحدود الإسرائيلية، فترد إسرائيل بتوجيه الضربات إلى هذه القوات باستمرار، الأمر الذي يسبب حرجاً لروسيا بحكم وضعها في سوريا، وكونها كانت ضامناً للاتفاق. ونظراً لأن روسيا لا تهتم بالأهداف الإيرانية، فإنها لا تستخدم صواريخ الدفاع الجوي الخاصة بها، لا في جنوب سوريا الغربي ولا في شرق سوريا، على الحدود العراقية، ولا حتى في دمشق وضواحيها. وبديهي أن روسيا ليست مهتمة بتعزيز وضع تنافسي لإيران في سوريا، خاصة أن موسكو لديها علاقات واسعة مع تل أبيب، وهي تنظر إلى الأمور من زاوية مصالحها في الشرق الأوسط.

لهذا فإن تعزيز وجود الجيش السوري في درعا والسويداء من الطبيعي أن يلاقي ترحيباً من جانب الأردن، وبالطبع من جانب الغالبية الساحقة من البلاد العربية.

*كاتب مصري
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"