قيم البصمة الباقية

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

هل يمكن أن تقضي ثورات العلوم والتقانة على الجماليات الأسلوبية في الآداب والفنون؟ أهمية السؤال لا تنفي أنه ينطوي على جانب من السذاجة. مأتى السذاجة هو توهّم أن شمس الإبداع يمكن أن تغرب في يوم من الأيام. إذا اتفقنا على أن هذا الوهم محال التحقق، فكل الباقي قابل للطرح على بساط البحث، مهما تتباين وجهات النظر.
إذاً، كيف يجب أن تثار القضية؟ هذه هي المسألة. من غير المستبعد أن تتغير الأشكال والأجناس الأدبية والفنيّة. لا يوجد منطق سليم، ولا استدلال قويم، أو أسباب حتميّة جبريّة، تفرض بقاء الأمور كما كانت، وتحول دون تحوّلها.
أبسط مثال: هل كان أدباء القرون الماضية وفنانوها، حتى في الأحلام والخيال، يتصوّرون فنوناً مثل السينما والرسوم المتحركة، أو أن تؤدي الكهرباء إلى صنع آلات موسيقية جديدة؟ ماذا لو قيل لبيتهوفن إن الذكاء الاصطناعي سيؤلف خمس دقائق من مشروع سيمفونية عاشرة؟ الطريف هو قول أحد النقاد عن الأعجوبة: «إن الأسلوب بيتهوفني اللمسات، إلاّ أنني لم أشعر فيه بشرارة الإبداع البيتهوفني».
نستنتج من هنا أمرين كلاهما ذو وزن وثقل: الأوّل أن الذكاء الاصطناعي يعد بمستقبل عظيم لا يمكن لأقوى الأدمغة التنبّؤ بمفاجآته بعد نصف قرن فصاعداً. البشرية أمام نقلة، قفزة... رجاء، من دون تعليق، حتى لا نقع في شطحات مرحلة جديدة من التطور. الأمر الآخر هو أن الشرارة الإبداعية، الجمالية الأسلوبية، ستظل الحَكَم وكلمة الفصل في تحديد القيمة الإبداعية.
الإبداع خوارزميات، ولا غرابة في أن تتفوق فيها الآلة على الدماغ البشري يوماً ما، قرناً ما. يمكن أن يكون الإنسان عندها قد ارتقى إلى مراتب ومستويات أخرى. إلى أن تدرك الأجيال ذلك، ستظل لغة الإبداع في الآداب والفنون، أو ما يعادلها ويشاكلها، مختلفة عن لغات التعبير عن الأشياء العادية اليومية. لن يتساوى تحرير الخبر مع الرواية والشعر.
على المواهب الواعدة، حتى لا تختلط الجماليات الإبداعية الحقيقية بالفانتازيا الأسلوبية الخادعة، السعي إلى البصمة الخلاّقة، لا طلب اجتذاب «اللايكات» بألاعيب «خالف تُعرف» الفارغة، مع العلم أن الإبداع هو الآخر «خالف تعرف»، ولكن ببصمة باقية.
لزوم ما يلزم: النتيجة التربوية: مهمّة المناهج هي التركيز على البصمة الخالدة عند تدريس أيّ إبداع. هكذا يُصنع السقف في الأذهان.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"