موقع إلكتروني لكل إنسان

00:59 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

يبلغ عدد المواقع الإلكترونية 1,8مليار موقع على شبكة الإنترنيت، ومن المنتظر أن تصل إلى ملياري موقع بعد 5 سنوات، ومع الأخذ في الاعتبار بعوامل عدة ديموغرافية، مثل عدد الأطفال وكبار السن ومن لا يستخدمون التكنولوجيا عموماً، فإننا سنجد أنفسنا أمام رقم ضخم وظاهرة تستحق الانتباه، فهناك موقع لكل إنسان تقريباً، هذا إذا تجاهلنا الإنترنت العميق أو الخفي أو المظلم.

هذه النتيجة الحسابية البسيطة لابد أن تقودنا إلى عدة أسئلة مهمة، هل يؤشر كل هذا العدد من المواقع إلى ديمقراطية المعرفة؟ وهل تجاوز البشر فجوة المعرفة بين الشمال والجنوب، وبين الأغنياء والفقراء؟ وهل أصبح كل إنسان يستطيع أن يعبر عن رأيه بحرية؟ وهل اختفى الإعلام الموجه بكل هيمنته وسطوته وقدرته على غسل العقول؟ والأهم من ذلك هل استطاع هذا الواقع الافتراضي أن يقدم شيئاً جديداً للبشر لم يعرفوه من قبل ويؤدي إلى نقلة ملموسة في تاريخ الإنسان؟

يتمثل التخوف المباشر من كل هذا العدد من المواقع في صناعة عقول معزولة عن بعضها البعض وتفتيت الأفكار الكبرى، ومنظومات القيم وما ينتج عنها من سلوكيات، لكن هذا لم يحدث.

يدفعنا حجم الشبكة الآن إلى الحلم بواقع معرفي أفضل، وببشر يحصلون على الحد الأدنى من المعلومات في مختلف شؤون الحياة، لكن الواقع يؤكد أن الحالة المعلوماتية للبسطاء في تدهور مستمر، والحالة المعرفية للنخب ليست في أفضل حالاتها، ويتحسر الكثيرون الآن على زمن كانت المعلومة تستدعي البحث والجهد وحتى المشقة.

لم ينتج عن الشبكة بكل أبعادها العصية على التصور تلك النقلة الفارقة التي ظل البعض يطنطن بها، ولا تزال منظومة القيم تستمد مبادئها من التعليم والدين والأخلاق..الخ، أما الوعي فيخضع للفروق الفردية والتثقيف ورؤية الإنسان لنفسه ولمحيطه والعالم ككل، وحتى الآن هناك فئة معزولة بعيدة عن الواقع تنتج الفنون والآداب والفلسفة، أي أن الشبكة بكل تلك المواقع ليست أكثر من محتوى، صحيح أنها تؤثر في البعض، لكنه ليس ذلك التأثير الفارق.

من المستحيل أن تحقق كل هذه المواقع نجاحات ملموسة في الوقت نفسه، لن يعرف عشاق الشبكة أكثر من عدة مئات منها، ولن يستطيع مركز بحثي عادي أن يرصد ويحلل إلا بضعة آلاف، أي أن المواقع المهمة والشهيرة تحتكر جمهور الشبكة، ويصبح السؤال الذي يفرض نفسه هنا لماذا هذا الولع بإطلاق مواقع إلكترونية كل يوم؟ هل للمسألة أبعاد اقتصادية أو اجتماعية؟ ما هو العائد من هذه المواقع؟ هل هو التربح؟ هل هي رغبة في التنفيس عن الذات؟ هل هو مجرد عبث من شرائح شبابية؟ ترى المسألة مجرد لعبة، هل هي روح القطيع؟ فعندما كان أحدهم يؤسس مشروعاً ناجحاً يسارع من حوله بتقليده.

إن وجود ملياري موقع بعد سنوات قليلة رقم يستحق الدراسة، ولابد من وضعه على طاولة بحث علم الاجتماع الرقمي، وربما هو رقم لا يقارن بأشياء حيوية كثيرة لا يمتلكها البشر ويعجزون عن الحصول عليها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"