صراع الجبابرة لغزو الفضاء

22:33 مساء
قراءة 4 دقائق

بيتر أبس *
أقام رواد فضاء من اليابان وروسيا والولايات المتحدة وأوروبا الشهر الماضي حفلة «بيتزا» على متن محطة الفضاء الدولية احتفالاً بعيد ميلاد أحد الزملاء. لكن يبدو أن عصر التعاون هذا متعدد الجنسيات في المدار يقترب بسرعة من نهايته، لتحل محله روح جديدة من التنافس الدولي وصراع القوى العظمى.

بدأت علامات سباق فضائي جديد على غرار الحرب الباردة في الظهور، حيث تمضي الصين، المحظورة «وظيفياً» من التعاون مع محطة الفضاء الدولية ووكالة ناسا بموجب مرسوم صادر عن الكونجرس الأمريكي عام 2011، قدماً في محطتها الفضائية الخاصة «تيانخه»، مع ثلاثة رواد فضاء صينيين أرسلتهم بكين في يونيو/حزيران الماضي في مهمة مدارية تستمر ثلاثة أشهر تتخللها جولات المشي في الفضاء. ووقعت روسيا والصين مذكرة للعمل معاً على قاعدة قمرية، دون جدول زمني محدد. كما أنه من المقرر أن ينطلق في وقت لاحق من هذا العام صاروخ «إس إل إس» التابع لوكالة ناسا، وهو أكبر صاروخ لها منذ برنامج أبولو 1972، في إطار مهمة «أرتميس 1» غير المأهولة لاختبار الأنظمة التي تُمكن الولايات المتحدة من إعادة روادها إلى القمر بحلول عام 2023. ولا ننسى بالطبع المركبات الفضائية الثلاث التي أرسلتها كل من أمريكا والصين والإمارات هذا العام إلى المريخ، في مهمات بحثية علمية غير مأهولة لدراسة الكوكب الأحمر.

وبالمقارنة مع التنافس التاريخي القديم، فإن صراع الفضاء الحالي والتحديات الجديدة بين اللاعبين الدوليين، وبينهم شركات خاصة، أكثر تعقيداً وتتراوح من الحرب الإلكترونية والأسلحة المضادة للأقمار الصناعية في مدار أرضي منخفض إلى ما يمكن تسميته بالمراحل الأولى من معركة استعمار النظام الشمسي، وخاصة المريخ.

في المدار الأرضي القريب، يقول الخبراء إن العديد من البلدان تبدي اهتماماً جديداً باحتمال استخدام الفضاء لغايات عسكرية محددة، وقد أنشأت الولايات المتحدة بالفعل مؤسسات ذات صلة مثل «القوات الأمريكية الفضائية». وفي يوليو من العام الماضي، اتهمت أمريكا وبريطانيا روسيا باختبار سلاح مضاد للأقمار الصناعية، وذلك بعد اقتراب قمر صناعي روسي من آخرَ أمريكي.

لطالما وقفت واشنطن وحلفاؤها الغربيون ضد الاستخدام العسكري للفضاء، محذرين من أن حوادث مثل تدمير قمر صناعي صيني «خارج الخدمة» عام 2007 بواسطة صاروخ أطلق من الأرض يهدد بخلق مستويات كارثية محتملة من الحطام الفضائي. ومع ذلك، ذكرت وسائل إعلام أمريكية مؤخراً أن الولايات المتحدة تدرس الآن استعراض قدراتها العسكرية المضادة للأقمار الصناعية، وهي إشارة على أن واشنطن لا يمكن أن تنأى بنفسها بعيداً عن سباق التسلح العالمي.

لدى الصين على وجه الخصوص أهداف بعيدة المدى، فقد سلطت وسائل إعلام حكومية الضوء على تقرير صادر عن المؤسسة الوطنية للعلوم الطبيعية مؤخراً يدعو إلى دراسة تصنيع منصات فضائية شاسعة، يتم تجميعها في المدار الأرضي ويبلغ طولها كيلومتر واحد أو أكثر، أي 10 أضعاف حجم محطة الفضاء الدولية! ونُقل عن علماء صينيين قولهم إن مثل هذا المشروع الضخم يتطلب التغلب على التحديات التقنية الهائلة، وأنه من المقرر أن تكون دراسة جدوى المشروع جزءاً من خطة بكين الاقتصادية 2021-2025.

وقد تجد محطة الفضاء الصينية الحالية نفسها المنصة المأهولة الوحيدة في المدار إذا تعذر تمديد خطة عمل محطة الفضاء الدولية حتى عام 2030 كما تأمل الولايات المتحدة. يأتي ذلك في ظل إعلان روسيا الأسبوع الماضي أن إحدى وحداتها على المحطة تظهر تصدعات ستزداد سوءاً بمرور الوقت، وحذرت من تعطّل محتمل للمعدات بحلول عام 2025.

وبينما تُجري الولايات المتحدة اتفاقيات تعاون مع حلفاء أوروبيين وآسيويين للانخراط في مهمتها القمرية «أرتميس 1»، تواصل الصين محادثاتها مع دول أخرى، ولا سيما النامية منها، وتعزز تعاونها مع جارتها روسيا كجزء من الشراكة الأوسع نطاقاً والمتنامية بين بكين وموسكو.

في الآونة الأخيرة، دخلت سلطات الفضاء ووسائل الإعلام الأمريكية والروسية في مشادّات كلامية متزايدة، وشهد صيف 2021 تدهوراً كبيراً في العلاقات بين وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» ونظيرتها الروسية «روسكوزموس» على خلفية تقرير نشرته وكالة الأنباء الحكومية الروسية «تاس» في الثاني عشر من أغسطس/آب الماضي، اتهمت فيه رائد فضاء أمريكي بتخريب محطة الفضاء الدولية عمداً، وهو ما نفته «ناسا» سريعاً. وروّجت العديد من المواقع الأمريكية قبل ذلك، بما فيها «دايلي بيست» و«آرت تكنيكا»، قصصاً شككت من خلالها في كفاءة برنامج الفضاء الروسي. يأتي تدهور «العلاقات الفضائية» بين البلدين بعد أن استأنفت «ناسا» العام الماضي رحلاتها المأهولة دون الاعتماد على الصواريخ الروسية التي طالما نقلت رواد فضاء من وإلى محطة الفضاء الدولية منذ إنهاء برنامج الولايات المتحدة عام 2011.

من هذا المنطلق تتولد أهمية التحالفات الخاصة التي تعقدها الولايات المتحدة حالياً مع دول مثل المملكة المتحدة، واليابان، والقوى الأوروبية للانضمام إلى برنامجها «أرتميس 1». فالمعركة الدولية للسيطرة على الفضاء ما زالت في بدايتها، ولا أحد يرغب في أن يكون الفريق الخاسر.

* كاتب في الشؤون الدولية في «رويترز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"