أوروبا وطموح الاستقلال

00:47 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

أثار انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان بشكل مفاجئ ومن دون تنسيق، حفيظة الأوروبيين، ما دعاهم للعودة إلى النقاش المطروح بقوة منذ سنوات، حول بناء جيش أوروبي خارج المظلة الأمريكية، بهدف تعزيز اعتمادها أمنياً على ذاتها.

رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، علق على الانسحاب من أفغانستان بالقول إن الاتحاد الأوروبي، يجب أن يتخذ إجراءات تمكنه من الاستعداد بشكل أفضل لعمليات الإجلاء العسكرية لرعاياه في مواقف مثل ما حدث، معرجاً على ضرورة أن يسعى الاتحاد من أجل استقلالية أكبر في صنع القرار، وقدرة أكبر على العمل في العالم، بينما كان لبريطانيا الحليف التاريخي لأمريكا موقفاً آخر عندما قال وزير خارجيتها دومينيك راب آنذاك إن الحكومة قد تحتاج إلى تطوير قدراتها حتى تتمكن من العمل على مهام عسكرية معينة في المستقبل من دون الولايات المتحدة. الموقفان الأوروبي والبريطاني أظهرا جلياً توجهاً لاستقلال متعدد الأوجه عن واشنطن بعد التجربة الأفغانية؛ بحيث يشمل الجوانب العسكرية والدبلوماسية.

الأمر لم ينته عند حد التصريحات؛ بل أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، أن أوروبا ستسعى لتعزيز قدراتها العسكرية، معلنة عقد قمة دفاعية ستستمر ستة أشهر بدءاً من العام الجديد في باريس، مشيرة إلى أنه قد حان الوقت لتنتقل أوروبا إلى المستوى التالي، متعهدة العمل مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ من أجل إعلان مشترك جديد بين الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي التي تعتبر أمريكا ركيزة أساسية فيه.

ستولتنبرغ من جهته أعرب عن شكوكه بشأن استراتيجية الاتحاد الأوروبي المستقلة؛ حيث قال إن أي محاولة لإنشاء هيكلين متوازيين وازدواجية في القيادة، من شأنها أن تضعف قدرتنا المشتركة على العمل معاً، لأن أوروبا، وخصوصاً الجزء الشرقي منها ما زالت تواجه معضلة روسيا التي تحاول استرجاع نفوذها، ما يجعل دول الاتحاد الرئيسية كفرنسا وألمانيا، تطالب بتخفيف الاعتماد على أمريكا فقط وليس إنهاءه، فهم يرون أن التكتل الأوروبي ليس متماسكاً بما فيه الكفاية لمواجه الدب الروسي، لذا فإن قناعتهم متجذرة إلى حاجتهم للولايات المتحدة وقوتها، خاصة أن إنشاء جيش أوروبي قوي، سواء بالتمويل أو إيجاد عقيدة عسكرية مشتركة وقيادة موحدة، شبه مستحيل مع تعدد توجهات دول التكتل.

لكن النية الأوروبية للاستقلال عن أمريكا مستمرة حتى وإن كانت جزئية؛ حيث اتجهت بعض دول التكتل إلى تفعيل معاهدة «ماستريخت» وإعادتها إلى الواجهة مجدداً، والتي نصت على وضع سياسة أمنية ودفاعية مشتركة، لتتفاعل خلال سنوات عدة وصولاً إلى إقرار مبادرة التدخل في 2018 التي وافقت عليها 9 دول أوروبية، تقضي بإنشاء قوة عسكرية للتدخل خارج الحدود الأوروبية.

أوروبا اقتنعت أخيراً أنها لا بد من انتزاع استقلاليتها، لأنها من دون ذلك ستبقى رهينة مصالح أمريكا وتقلباتها، كما فعل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي تعامل بقسوة مع أوروبا، وكما حصل في أفغانستان مؤخراً.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"