عادي
الحكومة الفرنسية تدعو إلى بناء عقيدة أمنية في عالم مختلف

أزمة الغواصات تعيد أوروبا إلى قواعدها الأولى قبل «الناتو»

01:32 صباحا
قراءة 3 دقائق

كتب: المحرر السياسي

لا تستطيع فرنسا أن تكظم غضبها، رغم محاولات التهدئة الصادرة عن واشنطن ولندن بالخصوص، جراء قرار أستراليا إلغاء صفقة بعشرات المليارات من الدولارات لشراء غواصات من فرنسا، وإبرامها صفقة أخرى بديلة مع الولايات المتحدة وبريطانيا. أصبحت المسالة قضية دولة في باريس وموضوعاً فرض نفسه مبكراً في السياق الانتخابي، وملفاً مغرياً للسجال الإعلامي.

وكان وزير الخارجية، جان إيف لودريان، توقع أن تؤثر هذه الفضيحة في مستقبل حلف «الناتو»، في وقت بدأ يتشكل رأي عام يدعم فكرة انسحاب فرنسا، مرة أخرى، من الحلف، كما فعل ذلك الجنرال ديجول عام 1966، بل هناك من يعتبر أن هذه الأزمة عادت بأوروبا إلى قواعد علاقاتها ما قبل قيام «الناتو». وفيما تكتفي السلطات الرسمية الفرنسية بالتلميح إلى هذه الخطوة، طالب المرشحان الرئاسيان لأقصى اليمين مارين لوبان، وأقصى اليسار جان لوك ميلونشون، بخروج فرنسا من حلف «الناتو» ثأراً للكرامة الوطنية. ومع تأكيد أغلب المراقبين أن تصدع «الناتو» أصبح أمراً قائماً، وسط توقعات بأن العلاقات بين دوله ستزداد سوءاً بمرور الوقت، بسبب تباين المصالح، وبالنتيجة سوف تبتعد أوروبا عن الولايات المتحدة، ومؤشرات ذلك كثيرة وصفقة الغواصات إحداها، فقد عززت هذه الأزمة الدعوات الأوروبية المتجددة إلى اعتماد سياسة عسكرية وأمنية أكثر استقلالية وفعالية، وأحيت اقتراح إيمانويل ماكرون بتأسيس جيش أوروبي موحد، وهو المقترح الذي جرى تخفيفه لاحقاً إلى تشكيل قوات تدخل أوروبية، بدعم كبير من ألمانيا.

تجاذبات وسجالات

في مثل هذه الظروف، عادة ما تأتي القرارات الحاسمة بعد تجاذبات وسجالات متفاوتة الحدة والسقوف. وسلطت الصحف الفرنسية، في الأيام الماضية، انتقادات شديدة للعلاقات بين ضفتي الأطلسي، ويرى دومينيك مويزي، الكاتب في صحيفة «لي زيكو»، أن الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي أولى ضحايا الدبلوماسية الأمريكية، وأن الحلف سيجد صعوبة بالاستمرار جراء أجواء الخيانة والانشقاق بين أعضائه، إثر التطورات التي حصلت في أفغانسان، مشيراً إلى أن أوروبا تلقت صفعة بمجرد إعلان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، عن ولادة الاتفاقية الأمنية الثلاثية بين بلاده وأستراليا وبريطانيا. وفي السياق نفسه، تشير صحيفة «لوفيجارو» إلى أن أزمة الغواصات سوف تعطي زخماً لمشروع استقلال الدفاع الأوروبي، مؤكدة أن المشاعر تكدرت بشدة «إذ لم يسبق لفرنسا رغم حدة وخطورة أزماتها السابقة مع واشنطن أن لجأت إلى استدعاء سفيرها في واشنطن».

ويؤكد باحثون في أوروبا أن التصدعات الجارية داخل الأطلسي ليست مفاجئة أو غريبة، فالغرب اليوم اختلف عما قبل سبعين عاماً، وليس له عدو مشترك واضح مثل الاتحاد السوفيتي في السابق. أما الخشية من الصين، فأسبابها اقتصادية بالدرجة الأولى وتخص الولايات المتحدة في المقام الأول، ولذلك فإن لكل دولة في الغرب الرأسمالي مصالحها الوطنية الخاصة. وفي أوروبا هناك ضيق من الأنانية الأمريكية، كما هناك شعور بأن الولايات المتحدة كانت، على الدوام، تعطي الأولوية لمصالحها وليس للتضامن داخل كتلة الأطلسي، ما يجيز التفكير في بناء عقيدة أمنية أوروبية في عالم مختلف عن السابق.

وقود المعركة الانتخابية

بموازاة هذا السجال، بدأت معركة السباق الرئاسي الفرنسي مبكراً، ويبدو أن قرار ماكرون بالتصعيد ضد واشنطن وكانبيرا ولندن، هو جزئياً، حساب انتخابي، فهو يتذكر أن سلفه الراحل جاك شيراك اكتسب شعبية ليس برفضه غزو العراق فقط، لكن بأخذ زمام المبادرة ومخالفته علناً لاستراتيجية الولايات المتحدة. ويأمل ماكرون، الذي يسعى للفوز بولاية ثانية، جلب شريحة كبيرة من الرأي المحلي إلى جانبه قبل الانتخابات في إبريل/ نيسان المقبل. وقبل الأزمة، قالت لويان أن برنامجها الانتخابي ينص على ضرروة الخروج من «الناتو» ومن القيادة الموحدة للحلف، متهمة الحلف ب«نشر المنطق الحربي الذي تخطاه الزمن للحرب الباردة»، في حين دعا ميلونشون، إلى انسحاب بلاده من «الناتو». واعتبر أنه «بعد الفضيحة الأخيرة بشأن انسحاب أستراليا من اتفاقية الغواصات باتت باريس تحتاج إلى التوقف عن الانغماس في الأوهام».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"