استمرارية مآلات التراث

00:12 صباحا
قراءة دقيقتين

ما الجديد في إثارة موضوع مآلات التراث ثانية؟ المكتبة التراثية لن ينال إنسان أو ذكاء اصطناعي من شعرة في مفرقها. بالعكس، حفظها بالرقمي أحفظ، اليوم بالحساب الثنائي، وغداً بحروف الحمض النووي. القضية أمر آخر، أبعد من التخزين والخشية من الضياع. العالم الذي تسير إليه البشرية متباين جداً عمّا هو في الحاضر، مع العلم أن الواقع حالياً مختلف كلياً عن الماضي. الإنسانية مسافرة نحو مستقبل لا هو معلوم ولا هو مجهول، إلا أن المتاع التراثي المتاح في الرحلة صار محدوداً جداً.
ثمة أناس أجروا فحوصاً شاملة سريرية ومخبرية لميراثهم، فعرفوا الحصاة العادية، من الحجارة الكريمة، فتخيّروا ما قل وزنه وغلا ثمنه. المهم لدينا هو مصير التراث. السؤال: هل نريد أن يكون الميراث ركاماً أرشيفياً في المخازن، على الرفوف أو رقمياً، ولكن غير قابل للاستفادة؟ عندئذ، من أين نأتي بشخص مثل ماو، الذي شن حرباً شعواء على كونفوشيوس، فجعله على كل لسان، وفي صميم كل دماغ؟
 قدماؤنا، ولا فخر، سبقوا ما فعلته الثورة الثقافية بحكيم الصين، فالأيقونات التي هي قممنا الشماء، انتقاها الماضون، وابتكروا العجائب لتشويه بهائها: المعري رموه بالزندقة إلى حد التكفير، وهو صاحب كتاب: «الفصول والغايات في تمجيد الله والمواعظ»، محيي الدين بن عربي اتهموه بالكفر وهو أكبر متصوف في تاريخ الإسلام، ومؤلف «الفتوحات المكية»، التي وصفها البعض بأنها «القبوحات الهلكية»، وابن رشد، فيلسوف الفقهاء وفقيه الفلاسفة، أحرقوا كتبه، لكنهم لم يجعلوه كباباً هباباً. مع ذلك نصرّ على أننا لا تنافسنا أمّة في احترام التراث.
صدق الفرنسي القائل: «إن الفيلسوف هو مجموعة الأقوال المتضاربة في شأنه»، لكننا لن نبالغ في الشطط، ولن نشط في الغلواء، إلى حدّ الاعتقاد أن مأساة أولئك العظماء هي أنهم لم يولدوا في أمّة تعشق الشموس التي لم تحلم بها مجرّة. ابن رشد وابن خلدون والمعري، لو كانوا في ميراث آخر لرأيت مصابيح الشوارع تتوهج بأسمائهم. ابن رشد يكفيه أنه كتب «فصل المقال في ما بين الحكمة والشريعة من الاتصال»، (الحكمة: الفلسفة). جوهره: إذا بدا لك أن النص لا يتفق والمنطق العقلي، فعليك أن تراجع فهمك للنص. مجموعة أعمال المعري مدرسة لحرية الفكر والتعبير.
لزوم ما يلزم: النتيجة المنطقية: هؤلاء شموس تراثية، لا يمكن أن ترضى عنها ظلمات التعصب والتطرف.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"