عادي

شاعر يتوقع موته واختفاء جثته في قصيدة

14:21 مساء
قراءة 3 دقائق
الشارقة الخليج
يعد الإسباني "فيديريكو غارثيا لوركا"، "1898 ـ 1936"، واحدا من أهم شعراء العالم في القرن العشرين، ولد في غرناطة وعاش متنقلا بينها والعاصمة مدريد، وقد اشتهر بكونه متعدد المواهب، وذاعت شهرته في وقت قصير، فقد مات في وقت مبكر عن عمر لا يتجاوز الـ38، لكنه خلال تلك الفترة القصيرة ملأ الدنيا وشغل الناس، وكان صديقا لعدد من رموز الأدب والفن من إسبانيا وفي مختلف أنحاء العالم مثل: بابلو نيرودا، وسلفادور دالي، ومازالت قصائده تردد في كل مكان، وكذلك سيرته وبصورة خاصة الطريقة التي مات بها.
كان لوركا روحا حرة، يعشق الحرية، لذلك كان كثير الانتقال ولا يستقر على شيء أو مكان واحد، حتى مسيرته الدراسية والتعليمة كانت تعبر عن تركيبته النفسية التي تفضل الانطلاق والتحرر، فقد بدأ دراسته الجامعية في غرناطة، لكنه لم يكملها، ثم انتقل إلى جامعة مدريد، ليتركها هي الأخرى، وكانت اهتماماته متجهة دائمًا إلى خارج مدرجات الجامعة، وقد وجد نفسه أسعد حالاً في المقاهي وأحاديث الأصدقاء والتجوال في ريف غرناطة أو بساتينها القريبة وفي الكشف عن العديد من الثقافات والتقاليد التي كونت منطقة "أندلوسيا" العريقة، وفي التعرف على الغجر الذين قدر لهم أن يكونوا الموضوع الهام الذي يستوحي منه أعظم أعماله، بل وانطلق مع الغجر في رحلاتهم المستمرة التي لا تنقطع، فقد وجد فيهم حالة مغايرة عاشقة للحرية.
سافر لوركا إلى الولايات المتحدة عام 1929، وأصيب بخيبة أمل من الحضارة الأمريكية المختلفة تماماً، فكان أن قرر العودة إلى حضن الوطن، ويصدر مجموعته "شاعر في نيويورك"، التي ألبسته ثوباً مغايراً لرجل اختلفت اهتماماته، وقد تسلم عام 1931 جوقة مسرح باركا، ثم شارك في احتفالات الذكرى الثانية لإعلان الجمهورية. وفي عام 1933 عرض مسرحيته "عرس الدم "وهي حكاية ريفية، وضع فيها كل ما عاناه خلال تلك الفترة، وخلال كل تلك الفترة كانت إسبانيا تغلي بسبب الانتفاضة، حيث كان من المشاركين الذين حملوا أحلام الحرية والمساواة، واندلعت نيران الانتفاضة في غرناطة حيث اقتيد هو ومحافظ غرناطة وعدد من أقربائه ممن أيدوا الانتفاضة إلى المعتقل، ثم حدث انقلاب الجنرال "فرانكو"، عام 1936، وقد كان ديكتاتورا قاسيا، وسجن عددا من أقارب لوركا كما أصدر قرار إعدامهم، وتم تنفيذ حكم الإعدام بالفعل بهم رميا بالرصاص على التلال القريبة من غرناطة في بداية الحرب الأهلية الإسبانية في 19 أغسطس من عام 1936.
قد تبدو كل تلك الأحداث عادية، مر بها كثير من الناس، لكن ما هو غير مألوف هو أن لوركا قد توقع موته بتلك الطريقة، وقام برثاء نفسه في قصيدة، بل وأورد بعض التفاصيل المتعلقة بموته، والتي قد حدثت بالفعل، كموته في مكان معين وأن تختفي جثته، ويقول لوركا في بعض من أبيات تلك القصيدة التي توقع فيها موته:
"وعرفتُ أنني قُتلتُ / وبحثوا عن جثتي في المقاهي والمدافنِ والكنائس / فتحوا البراميلَ والخزائن / سرقوا ثلاثَ جثثٍ / ونزعوا أسنانَها الذهبية
ولكنهم لم يجدوني قط! / ألم يعثروا عليَّ؟ / نعم، لم يعثـروا عليَّ!".

القصيدة تحمل بالفعل تفاصيل غريبة، توقع الشاعر أن يموت مقتولا، وبالفعل ذلك ما حدث، وأن تتلاشى جثته فلا يهتدي إليها أحد، وحتى يومنا الحالي لا يعرف أحد مكان جثة لوركا، بل إن النصب التذكاري الذي أقيم له، أنشئ في المنطقة التي أعدم فيها، والمفارقة أن ذلك المكان الذي شهد موت لوركا يحمل اسم "عين الدمعة".
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"