عادي
حقوق الإنسان في القرآن والسنة

صون الأعراض.. حماية لكل البشر

00:56 صباحا
قراءة 4 دقائق
sssssss
islamic-new-year-concept-with-copy-space
Quran, a muslim holy text book, central religious text of Islam, which Muslims believe to be a revelation from God

صون العِرض من الحقوق الأساسية لكل إنسان، مسلماً أو غير مسلم، ذكراً أو أنثى، والعِرْض هو جانب الرجل الذي يصونه في نفسه وحسبه أن ينتقص، وسواء كان في نفسه أو سلفه أو يلزمه أمره، أو موضع المدح أو الذم منه. ويطلق العرض على معنيين، موضع المدح والذم في الإنسان، والعفة عن الزنا، ومنه طعنه في عرضه أي رماه بالزنا.

يقول الدكتور علي عبد الواحد وافي في كتابه «حقوق الإنسان في الإسلام»: إنه شمل الأعراض بأقوى حماية يمكن أن يختص بها حق من حقوق الإنسان، وتبدو حمايته هذه أوضح ما يكون في العقوبات القضائية الشديدة التي يوقعها في حالات الزنا وهتك العرض والقذف، وما إلى ذلك من كل ما يمس عرض الإنسان وكرامته، وفي تحقيره لمقترفي هذه الآثام وتوعده إياهم بأشد عذاب يوم القيامة. ولم تكتف الشريعة الإسلامية بتقرير عقوبة الإعدام في الزنا الذي يرتكبه شخص متزوج؛ بل أوجبت أن تنفذ هذه العقوبة في أعنف صورها وأشدها تعذيباً للجاني، وذلك بأن يُرجم بالحجارة حتى يموت؛ بل لقد ذهب بعض فقهاء المسلمين إلى وجوب جلده مئة جلدة قبل أن يُرجم، اعتماداً على ظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الثيب بالثيب جلد مئة ورجم بالحجارة»، وإذا كان مقترف هذا الإثم غير متزوج فإن عقوبته في الإسلام أن يُجلد مئة جلدة على ملأ من الناس، قال تعالى: «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ المُؤْمِنِينَ» (سورة التوبة – الآية 2)؛ بل ذهب كثير من فقهاء المسلمين إلى إضافة عقوبة أخرى إلى هذه العقوبة، وهي نفي المجرم عاماً كاملاً بعد الجلد محتجين بما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: «البكر بالبكر جلد مئة وتغريب عام».

والتعزيز عقوبة يقدرها القاضي أو يقدرها القانون في صورة تتفاوت شدتها حسب درجات الجريمة ومبلغ خطرها وحسب اختلاف المجرمين أنفسهم وما يكفي لردعهم، ويكون بالحبس والجلد والنفي. وبجانب هذه العقوبات الدنيوية المتمثلة في هذه الحدود والتعزيرات توعد الله مرتكبي هذه الفواحش بمختلف أنواعها بعذاب أليم يوم القيامة، كما يدل على ذلك كثير من آيات الذكر الحكيم وأحاديث الرسول عليه السلام.

كما تقرر الشريعة الإسلامية أن من قذف رجلاً محصناً في عرضه أو امرأة محصنة في عرضها، بأن اتهم أحدهما بالزنا، وعجز عن إقامة الدليل القاطع على ما يقول، والدليل القاطع الذي يتطلبه الإسلام في هذا الصدد يتعذر الإتيان به، لأنه لا يتحقق إلا إذا أتى القاذف بأربعة شهود عدول عدالة مطلقة يشهدون بأنهم رأوا الفعل بأعينهم وفي صورة لا تحتمل الشك، توقع عليه عقوبتان مهينتان إحداهما عقوبة موقوتة تناله في جسمه وهي أن يجلد ثمانين جلدة، والأخرى عقوبة دائمة تناله في مكانته وكرامته والثقة به وهي أن يعتبر ساقط الشهادة، أي لا تقبل منه شهادة في أمر ما طوال حياته، حتى إذا تاب، والأصل في هذا قوله تعالى: «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوَهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ» (سورة النور – الآية 4)، ولا يفرق الإسلام في ذلك بين أن يكون القاذف شريفاً أو وضيعاً، معروفاً عنه الصدق من قبل أم غير معروف عنه ذلك.

معنى عام

يرى الدكتور مروان إبراهيم القيسي في «موسوعة حقوق الإنسان في الإسلام» أن انتهاك العرض بالمعنى العام يشمل السب والإهانة والعيب والاحتقار والسخرية والاستهزاء واللمز والهمز والتنابز بالألقاب، وكل تشهير وتشويه للسمعة والتطاول على الأفراد وإهانتهم، وكل ما يُخل باحترامهم ويخدش كرامتهم، فهو بهذا المعنى القذف في القانون الوضعي إلى حد ما.

وحفظ الإسلام للأفراد كرامتهم وسمعتهم واحترامهم من خلال وسائل الوعيد والتحذير عن أذى الآخرين من قريب أو بعيد بما يمس احترامهم وسمعتهم وكرامتهم، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «أربى الربا شتم الأعراض»رواه أحمد ومسلم، وقوله: «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» رواه أحمد وأبو داود.

وحق العرض هنا سلامة صاحبه من قذفه أو قذف والديه أو أحدهما بالزنا، وذهب بعض الفقهاء إلى إدخال الرمي باللواط ضمن القذف أيضاً، وهل التعريض بالقذف يعد قذفاً؟ الصحيح أن التعريض بالقذف يعد قذفاً إن أفهم التعريض بالقذف قذفاً بالزنا من خلال القرائن، وذلك إذا كانت القرائن والملابسات تدل على أن المراد بالتعريض القذف.

وجاءت النصوص تنهى عن إيذاء الذميين، وهذه النصوص إذا ما أضيفت إلى نصوص الكتاب الكريم التي جاءت بعموم النهي عن قذف المحصنات، وما جاء في كتاب الله عز وجل من أن نساء أهل الذمة محصنات في قوله تعالى: «الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ» (سورة المائدة – الآية 5)، تأكدت لنا حرمة أعراض أهل الذمة؛ إذ إن العام على عموم ما لم يرد دليل يخصصه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"