عادي
بعد 13 عاماً على كارثة «ليمان براذرز»

«إيفرجراند» تستحضر دروس الأزمة المالية العالمية

22:38 مساء
قراءة 5 دقائق
أحد مشاريع إيفرجراند في جيانجسو (بلومبيرج)

إعداد: هشام مدخنة

أثارت ملحمة «إيفرجراند» مؤخراً القلق في أوساط المستثمرين، وقد تشير في قادم الأيام إلى تصدع في أسواق العقارات والأسواق المالية الصينية. لكن تشبيهها بانهيار بنك «ليمان براذرز Lehman Brothers»، رابع أكبر بنك استثماري آنذاك، لم يُصب بمضمونه الدقة، وشوّه بعض الدروس المهمة للانهيار المالي عام 2008. ومع ذلك، وإن كان ولا بد، فإن قصة مطور العقارات العملاق والمتعثر عن سداد ديون بمليارات الدولارات تشبه إلى حد ما لحظة إفلاس «بير ستيرنز» Bear Stearns، خامس أكبر بنك استثمار أمريكي بعد ليمان في ذلك الوقت.

نستعرض هنا ملخصاً صغيراً يقودنا إلى مقارنة بسيطة توضح بعضاً من جوانب الشبه والاختلاف بين أزمة 2008 وبين الحاصل اليوم مع «إيفرجراند» من بوابة أشهر مؤسستين ماليتين في الولايات المتحدة.

شرارة البداية

بلغت فقاعة الإسكان ذروتها في عام 2006، ومع بدء الأسعار غير المستدامة في الانخفاض، ارتفعت مستويات الديون الخطرة، وانهار اثنان من صناديق التحوط التابعة ل «بير ستيرنز» والتي تستثمر بكثافة في الرهون العقارية عالية المخاطر، ليشكل ذلك أولى بوادر الأزمة العلنية.

وبعد عام، بدأت قصة إفلاس «بير ستيرنز»، حين تفاقمت أزمة الرهن العقاري التي شهدتها الولايات المتحدة، وتزايد عدد العاجزين عن سداد قروضهم العقارية، بسبب ارتفاع أسعار الفائدة المفروضة على شراء العقارات.

وبتأثير الدومينو، تساقطت العديد من الشركات المالية الأخرى، بما في ذلك «ميريل لينش»، و«سيتي جروب»، و«بنك أوف أمريكا»، وأبلغت تلك المؤسسات عن خسائر فادحة تتعلق بالقروض العقارية ذات المخاطر العالية، وامتدت بعد ذلك الأزمة إلى أوروبا وبقية العالم.

وبناء على ذلك، وفي مارس/آذار عام 2008، استحوذ بنك «جيه بي مورجان تشيس» على «بير ستيرنز» بدعم حكومي وبسعر منخفض ومفاجئ للغاية، دولارين للسهم بعد أن كان سعره 30 دولاراً. وبدأ أكبر بنك في الولايات المتحدة في حل عقدة ديون «بير ستيرنز» شيئاً فشيئاً، ما أوقف الذعر لفترة من الوقت. لكن ذلك لم يحل دون استمرار خسائر البنوك والقطاعات المالية. فاستسلم بنك «إنديماك» في كاليفورنيا للوضع المالي الكارثي الحاصل، وأوقف عملياته تماماً في يوليو/تموز 2008، لتستولي عليه الحكومة الأمريكية. ثم في سبتمبر/أيلول، أشهر عملاقا الرهن العقاري «فاني ماي»، و«فريدي ماك» إفلاسهما، والعواقب ذاتها، موت سريري واستحواذ حكومي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

أكبر من أن يسقط !!

في تلك المرحلة، شهدت الأسواق حالة من الاضطراب الشديد، تسببت في ضغوط هائلة على بنك «ليمان براذرز» الأمريكي، الذي كان يعاني هو الآخر. حينها، اعتقد المسؤولون التنفيذيون في البنك أن الحكومة ستنقذ الشركة كما فعلت مع الآخرين، لكنهم لم يدركوا أن مصيبة «ليمان براذرز» المالية كانت أكبر من أن تحتويها أي عملية إنقاذ أو إنعاش، وفي يوم الاثنين الخامس عشر من سبتمبر/ أيلول عام 2008، أعلن «ليمان» إفلاسه بشكل مفاجئ تاركاً خلفه ديوناً بقيمة 691 مليار دولار، و25 ألف موظف في مهب الريح.

بعد السقوط المدوي لبنك ليمان براذرز، انتهت مقولة «أكبر من أن يسقط»، وكان هذا هو الإفلاس الأضخم في تاريخ الولايات المتحدة. وهبطت إثره أرقام «وول ستريت» بشدة، حيث فقد مؤشر «داو جونز» 500 نقطة، في أكبر تراجع منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001. لكن «ليمان» لم يكن هو بداية الأزمة المالية، فقد حدث إفلاس البنك الشهير بعد سنوات من خروج سوق العقارات في الولايات المتحدة عن السيطرة.

في المقابل، ورغم فشل صندوق التحوط التابع لبنك «بير ستيرنز» الذي مهّد للانهيار القادم، لم تسجل الأسواق أي نوبة قلق، وارتفعت الأسهم في أكتوبر/تشرين الأول عام 2007، واختتم «إس أند بي» سوقاً صاعدة لمدة 5 سنوات ووصل إلى 1562 نقطة. لكنه استهل شهر يناير/كانون الثاني عام 2008 منخفضاً بنسبة 10% عن الذروة. وبالرغم من الفشل الحاصل، إلا أن الأسهم عادت ثابتة خلال شهرين، مدعومة بإجراءات حكومية صارمة لاحتواء الضرر. وبحلول مايو/أيار من العام ذاته، استعاد «إس أند بي» بضع نقاط مفقودة.

وفي صيف 2008، عادت الخسائر المالية إلى الظهور مجدداً، ما أثار حفيظة المستثمرين. وبحلول تموز/يوليو، بدأ التدهور الحقيقي لمؤشر «إس أند بي» وفقد 20% من ذروته السابقة. لكن بيع الأسهم المذعور بدأ فعلياً بعد إفلاس بنك «ليمان براذرز» في تلك الفترة، معمقاً جراح المؤشر بنسبة 40%، ليفقد في النهاية 57% من قيمته، وصولاً إلى أدنى مستوى في مارس/آذار 2009.

ماذا بعد!

إن أحد الدروس المستفادة من الانهيار المالي هو أن هذا يمكن أن يستمر لأشهر، وعلى مراحل متقطعة. وقد يعتقد المستثمرون أن الأسوأ قد انتهى ويحاولون جني الأموال من جديد إثر الانتعاش المؤقت القادم من حزم الإغاثة، ليجدوا بعد ذلك أن الأبواب قد أغلقت مرة أخرى واسودت الدنيا في وجوههم. وهو ما نجده جزئياً اليوم، فقد بدأت أسواق الأسهم العالمية تعكس حالة عدم اليقين هذه، فتارة تجد عمليات بيع مكثفة تعقبها ارتفاعات في الأسعار وقلق في أوساط المستثمرين من مشكلة ديون الصين، وتارة أخرى يقرر هؤلاء أنفسهم أن الأمر مبالغ فيه ولا يستدعي هذا الخوف.

وكما كانت الحال في عام 2008، فإن استجابة الحكومة هي المفتاح. وتأمل الأسواق بأن تكون الصين مستعدة وتمتلك الأدوات اللازمة لمنع الانهيار الكامل في حال ساءت الأمور أكثر. وكما تمكنت الحكومة الصينية من تشديد معايير الائتمان في وقت مضى لتهدئة قطاع العقارات المحموم، يمكنها اليوم، وبكل تأكيد، تخفيفها في حالات الطوارئ، أو إلغاء هذه المعايير نهائياً.

في عام 2008، وثق المستثمرون بقدرة واشنطن على الحل، وساعدت الإجراءات الحكومية السريعة «جيه بي مورجان تشيس» على تحمل أصول ومطالبات بنك «بير ستيرنز»، ما أوقف التأثير السلبي الهائل على الأسواق المالية، وأعاد الثقة المهزوزة، وغذى الأمل في أن فشل «بير» كان لمرة واحدة. في حين أن صدمة «ليمان براذرز» كانت أكبر بكثير وجاء انهيار البنك في أكثر الأوقات خطورة، عندما لم يكن بإمكان المسؤولين الفيدراليين وضع خطة إنقاذ ملائمة تحتوي الصدمة، فعمت الفوضى وطالت التبعات السلبية جوانب اقتصادية كثيرة، واستمرت لسنوات.

تأثير الديون

إذا كان ل «إيفرجراند» نظير في الأزمة المالية الأمريكية، فهو بنك «بير ستيرنز»، وليس «ليمان براذرز»، وما فشل صندوق التحوط في «بير» إلا مؤشر مبكر على المتاعب التي ابتلعت الشركة بأكملها في النهاية. والخوف من أن يحصل ذات الشيء مع مطور العقارات الصيني في هذه المرحلة، لا سيما أن هناك أدلة قوية على وجود فقاعات ديون في الصين. وإذا تخلفت الشركة العقارية عن سداد جزء من أو كل ال 300 مليار دولار التي تدين بها، كما هو متوقع، فالهزات الارتدادية لذلك ستطال ما هو أبعد من الجغرافيا الصينية، وصولاً إلى المحافظ العالمية ذات المديونية المتأثرة بشكل مباشر أو غير مباشر بتخلف «إيفرجراند» عن السداد.

كانت الأسئلة الرئيسية المطروحة في عامي 2007 و2008 تدور حول مدى اتساع مشكلة الرهن العقاري، والرابط المشترك بين الخاسرين، وكيف سيكون وقع التخلف عن سداد الديون على المستوى العالمي. وتبين أن الإجابات كانت أسوأ بكثير مما توقعه معظم المحللين في ذلك الوقت. اليوم، يطرح المستثمرون نفس الأسئلة حول أزمة «إيفرجراند». والجواب ببساطة شديدة يتمحور حول المتضررين، إن كان بإمكانهم تحمل أي خسائر قادمة، فستظل المشكلة مضبوطة. وغير ذلك، سيضع «إيفرجراند» في مهبّ الريح، وستتحول إلى أزمة بعيدة المدى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"