بداية قضية المناخ

22:16 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

لم تكن القضايا البيئية، فضلاً عن تغير المناخ، من الشواغل الرئيسية لمنظمة الأمم المتحدة في الفترة التي أعقبت إنشائها عام 1945. وخلال السنوات ال23 الأولى من عمرها، اقتصر العمل بشأن هذه القضايا على الأنشطة التشغيلية، بشكل رئيسي من خلال المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO). وعندما يتم تناولها كان ذلك يحدث في سياق أحد الانشغالات الرئيسية في ذلك الوقت.

وكان مؤتمر الأمم المتحدة العلمي المعني بالحفاظ على الموارد واستخدامها الذي عقد في نيويورك خلال الفترة من 17 أغسطس/ آب، إلى 6 سبتمبر/ أيلول 1949، أول هيئة تابعة للأمم المتحدة تتصدى لاستنفاد الموارد واستخدامها. ومع ذلك، جرى التركيز فيه بشكل أساسي على كيفية إدارة هذه الموارد لأغراض التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وليس لغرض الحفاظ عليها. وفي الفترة من 5 إلى 16 يونيو/ حزيران 1972، عقد في العاصمة السويدية ستوكهولم، المؤتمر العلمي للأمم المتحدة، الذي أطلق عليه أيضاً اسم قمة الأرض الأولى. لكن حتى هذا المؤتمر اكتفى بإصدار إعلان تضمن مبادئ الحفاظ على البيئة وتعزيزها. وفي عام 1985، تم التوصل إلى اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون، والانتهاء من مفاوضات ونصوص بروتوكول اتفاقية تلوث الهواء عبر الحدود عام 1979، والتي تهدف إلى تقليل انبعاثات الكبريت بنسبة 30%. في غضون ذلك، بدأت تظهر أدلة ملموسة على تغير المناخ بسبب تلوث الهواء في ظاهرة الأمطار الحمضية في أوروبا وأمريكا الشمالية. وكانت هذه الظواهر وغيرها، إيذاناً بالتوصل إلى اتفاق لإنشاء الهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ (IPCC) في عام 1988، كهيئة استشارية للأمم المتحدة لفحص الاحتباس الحراري وتغير المناخ العالمي.

وفي عام 1989، نقلت جزر المالديف نص «إعلان ماليه بشأن الاحتباس الحراري وارتفاع مستوى سطح البحر»، الصادر في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 1989 في العاصمة المالديفية ماليه Malé، إلى الأمين العام للأمم المتحدة. وفي العام نفسه أيضاً (1989)، دخل بروتوكول مونتريال بشأن المواد المستنفدة لطبقة الأوزون، حيز التنفيذ.

وقد كان عام 1989 عاماً فاصلاً بالنسبة إلى تغير المناخ، حيث أيدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 44/207 الذي اتخذ في مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية الذي عقد في 22 ديسمبر/ كانون الأول 1989، طلب مجلس إدارة برنامج الأمم المتحدة للبيئة بدء الاستعدادات مع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية لإجراء مفاوضات بشأن اتفاقية إطارية لتغير المناخ. وفي عام 1992 عُقد في ريو دي جانيرو، مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية، أو قمة الأرض، الذي تم فيه الإعلان عن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (UNFCCC). وبحلول نهاية عام 1992، كانت 158 دولة وقعت عليها، ودخلت حيز التنفيذ في عام 1994. واعتُبرت الاتفاقية أهم إجراء دولي بشأن تغير المناخ. واستهدف الاتفاق حينها تثبيت تركيزات «غازات الاحتباس الحراري» في الغلاف الجوي عند مستوى من شأنه أن يمنع التدخل البشري الخطير في نظام المناخ.

وفي مارس/ آذار 1995، اعتمد المؤتمر الأول للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (COP1)، تفويض برلين Berlin Mandate، وأطلق محادثات حول بروتوكول أو صك قانوني آخر يحتوي على التزامات صارمة ومحددة للبلدان المتقدمة، والبلدان ذات الاقتصادات المتحولة من الاشتراكية إلى الرأسمالية (بلدان أوروبا الشرقية والوسطى تحديداً). فكان اعتماد مؤتمر الأطراف الثالث الذي عقد في اليابان في ديسمبر/ كانون الأول 1997، لبروتوكول كيوتو التنفيذي لاتفاقية UNFCCC، حجر الزاوية في السير، لأول مرة، في إجراءات مكافحة ظاهرة تغير المناخ. حيث استهدف البروتوكول خفض إجمالي انبعاثات البلدان الرأسمالية المتقدمة من ثاني أوكسيد الكربون وغازات الحراري الأخرى بنسبة 5% على الأقل، قياساً إلى مستويات عام 1990، في فترة الالتزام الأولى (من 2008 إلى 2012). وفي هذه القضية بالذات (قضية تغير المناخ)، يمكن القول إن الأمم المتحدة أظهرت، لأول مرة أيضاً، دورها القيادي في لفت الانتباه الدولي إلى القضايا التي تتطلب إجراءات عالمية تضامنية، منسقة ومتكاملة.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"