لماذا تحتاج الشركات العائلية إلى شريك استباقي؟

22:15 مساء
قراءة 4 دقائق
3

فؤاد نقولا طراد *
شكلت أزمة فيروس كورونا اختباراً هائلاً للمجتمعات في جميع أنحاء العالم، وامتدت آثارها إلى مختلف القطاعات، بما في ذلك الشركات العائلية في منطقة الخليج العربي. ومع انطلاق عملية التلقيح وتسارع وتيرتها على نطاق واسع في المنطقة بالمقارنة مع مناطق أخرى حول العالم، هناك العديد من العوامل التي تدعو إلى التفاؤل لا سيما أن التقديرات الأولية تشير إلى أننا على وشك الدخول في مرحلة من النمو الملحوظ.

وقد شهدت مؤشرات الثقة ارتفاعاً هائلاً في المنطقة مدعومة بعدد من العوامل المجتمعة المتمثلة في انفتاح الخليج على الأعمال التجارية، إضافة إلى المبادرات الحكومية المحلية لاستقطاب الشركات الأجنبية وتشجيع الاستثمار. في الواقع، أوضح تقرير الثروات لعام 2020 الصادر حديثاً عن شركة «نايت فرانك» أن التوقعات تشير إلى أن عدد الأفراد ذوي الثروات الفائقة، أي الذين تقدر قيمة ثرواتهم بنحو 30 مليون دولار أو أكثر، في الشرق الأوسط سيرتفع بنسبة 17 في المئة في عام 2024 مقارنة مع عام 2019، أي الفترة التي سبقت مباشرة بداية انتشار جائحة «كورونا».

وتشكل هذه المرحلة فرصة سانحة للغاية بالنسبة إلى الشركات العائلية، لا سيما تلك التي استفادت من الدروس المستخلصة من تجربة جائحة كورونا للتركيز على تعزيز مرونتها وقدرتها على التكيف للنهوض باستثماراتها بذكاء في بيئة ما بعد الجائحة. ولا بدّ للقائمين على مناصب السلطة في الشركات العائلية أن يستفيدوا من الفرصة التي أتاحتها هذه الأزمة اليوم، لتعزيز قدرتها على الاستعداد لمواجهة المزيد من التقلب وحالات عدم اليقين في المستقبل من خلال تنويع الاستثمارات والتحول إلى التكنولوجيا الرقمية.

وبالتالي، فإن التعاقد مع شريك مصرفي يتوخى نهجاً استباقياً إزاء إدارة المخاطر ويتمتع بخبرة طويلة وعميقة في المنطقة هو أمر في غاية الأهمية بالنسبة إلى الأعمال التجارية. فبعد فترة طويلة وغير متوقعة من الاضطراب والتعطيل، أصبح لا بدّ من السعي إلى الحصول على مشورة متخصصة، والتعاون مع خبراء إدارة الثروة وغيرهم من الجهات الفاعلة الرئيسية في المنطقة، من أجل تكاتف الجهود نحو تحقيق الازدهار وإعادة بدء مسار تصاعدي.

ويشير أحدث استطلاع عن قطاع الشركات العائلية أجرته شركة «بي دبليو سي» وتم نشره في إبريل/ نيسان 2021، إلى مرونة الأعمال والشركات العائلية في المنطقة، وقدرتها على التكيف في مواجهة الإجهاد الكبير الذي تسببت به أكبر أزمة معطلّة في التاريخ الحديث. وقد أظهرت نتائج البحث أن الآمال كانت عالية قبل تفشي فيروس كورونا، حيث أشار 59 في المئة من الشركات العائلية إلى أنها كانت تتوقع النمو في عام 2020. ومن المثير للاهتمام أن أكثر من نصف الشركات المشاركة في الاستقصاء (56 في المئة) قد شهدت منذ ذلك الحين انخفاضاً في المبيعات، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 46 في المائة.

وبالنظر إلى حجم التداعيات الكبيرة التي خلفتها أزمة فيروس كورونا ومدى تأثيرها على الشركات العائلية في منطقة الخليج، فلا عجب أن العديد من شاغلي المناصب القيادية في تلك الشركات بدأوا يتوخون الحذر بشأن سرعة التعافي في الأمد القريب. ووفقاً للتقرير المذكور حول قطاع الشركات العائلية، يتوقع 59 في المئة من المشاركين نمو الإيرادات هذا العام، بالمقارنة مع المتوسط العالمي البالغ 64 في المئة. ومن الجدير بالذكر أن متقلدي المناصب القيادية في الشركات العائلية في الشرق الأوسط هم أكثر تفاؤلاً بشأن العام المقبل، حيث يتوقع 89 في المائة منهم تحقيق النمو، بينما يشير 58 في المائة من هؤلاء إلى قيامهم بوضع خطط للتوسع في أسواق جديدة خلال السنتين المقبلتين.

إن تراجع المبيعات كان أعلى من المتوسط العالمي، ما حدا بالشركات العائلية في منطقة الخليج إلى إعادة التفكير في استراتيجياتها ووضع خطط إصلاحية لها، ما أدى إلى تحقيق التحول الرقمي والتنويع على حد سواء. وعلاوة على ذلك، فقد ساهم ذلك في تسريع عجلة الابتكار المعزز بالتكنولوجيا، وحث قادة الأعمال على البحث عن مصادر التوجيه والشراكة.

وخلال فترة تعطل الأسواق التجارية، وجد القائمون على منصاب المسؤولية أنفسهم أمام تساؤلات ملحّة حول استمرارية العمل، وكيفية التحوط من المخاطر، ووضع منهجيات محددة للاستعداد لمواجهات الأزمات الجديدة في المستقبل القريب والبعيد.

وفي ظل الأزمات الممتدة، لا بدّ من اعتماد نهج إصلاحي شامل يقوم على تقييم الخطط الاستراتيجي،ة وإعادة النظر في النمط الإداري، وتخطيط التعاقب الوظيفي من أجل اكتساب مزيد من القدرة على مواجهة الأحداث المعطلة. ويشكل هذا النوع من التفكير ضرورة أساسية لجميع الشخصيات القيادية في قطاع الأعمال. وأنا على يقين تام بأن الشركات العائلية سوف تنتصر على أزمة الجائحة بفضل تركيزها على وضع استراتيجيات أكثر مرونة من أجل تعزيز قدرتها على تحقيق النمو في الأعوام المقبلة، بحسب التوقعات.

إن الشركات العائلية التي اضطرت إلى استخدام احتياطياتها النقدية للصمود أمام الأزمة وتحقيق استمرار أعمالها وسط التحديات التي واجهتها الأسواق خلال العام الماضي، ستدرك أهمية تبنيها لممارسات حكيمة في إدارة الأموال أكثر من ذي قبل. وتدرك معظم الشركات الآن أن إدارة المدخرات والتحوط ضد المخاطر هو أمر بالغ الأهمية لمواجهة الصدمات. وهنا تبرز الحاجة إلى الاستعانة بخبراء إدارة الثروات كشركاء أساسيين لدعم استراتيجيات الأعمال وتعزيز القدرة على الصمود في المستقبل.

في الواقع، لا تزال الأسواق تواجه اختبارات الضغط ما يحذّرنا بأن إمكانية مرور العالم بفترات الركود ما زالت قائمة. ولا تزال التداعيات الناجمة عن أزمة فيروس كورونا تلقي بثقلها على مختلف القطاعات في جميع أنحاء العالم. وإذا كان لا بد لنا من استخلاص الدروس من التجارب التي واجهناها خلال الأشهر الأربعة عشر الماضية، ما علينا سوى أن نثق بقدرتنا على تحقيق المزيد، ولترسيخ هذه الحقيقة في أذهاننا، نحن مدعوون إلى التأمل في النجاح الذي حققه تكاتف الأيدي بين العديد من الجهات المختلفة في تعاونها من أجل إنتاج لقاحات ضد فيروس كورونا خلال فترة وجيزة من الزمن.

إن هذه العقيدة القائمة على التعاون والتكاتف يجب تضمينها في صلب استراتيجيات الشركات العائلية التقدمية في عام 2021. ويكتسي وجود شريك مصرفي يتمتع بخبرة قوية في المنطقة أهمية كبيرة في إطار ترسيخ هذه العقيدة.

* الرئيس العالمي لمنطقة الشرق الأوسط لدى اندوسويس لإدارة الثروات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"