قصص الحيوان في ملتقى الراوي

00:12 صباحا
قراءة دقيقتين

تأتي الدورة الجديدة لملتقى الشارقة الدولي للرّاوي (21) هذا العام تحت عنوان «قصص الحيوان»، وهو حقل ثقافي مترامي الأطراف كما يقولون، كناية عن اتساعه وتنوّعه ودلالاته الواقعية والرمزية.
الحيوان هو الكائن الذي لا يعرف الأبجدية، ومع ذلك، يرافق الإنسان منذ البشرية في طفولتها المكانية والزمانية، يرافقه وهو صامت، ولكن هذا الكائن الجميل والطيراني والغنائي أحياناً، وأحياناً هو الكائن الافتراسي المتوحش الدموي لا يعدم اللغة، ويحاول دائماً أن يتماهى مع الإنسان فيستعير منه إشارات اللغة المكثّفة في إشارات الجسد، كأن يهز ذيله، أو يُشنّف أذنية، أو يذعن في حضن صاحبه وقد نام نوماً عميقاً وسط فرائه الحريري الناعم.
دجّن الإنسان الحيوان، وفتح له بيته، وربّاه عنده وبين أهله وأولاده؛ بل ما أكثر من يبكون على موت كلب أو قطة أو سلحفاة، وربما البعض من البشر لا يبكي على موت بشري آخر بالقرب منه.
هذه طبيعة الإنسان.. أن يُربّي، ويدجّن، ويستعمل «الثور للحراثة، والحصان للسباق والحرب، والببغاء للسلوى، والعصفور للحب».
ولكن الإنسان هذا الذي عرف اللغة، ثم عرف الكتابة، وفي ما بعد عرف الآداب والفنون وجد في الحيوان حقلاً واسعاً للتشبيهات والرموز، والكنايات والتورية والإسقاط والأقنعة، وهي جميعاً مكوّنات بلاغية في الأدب، وإذ بالحيوان، هذا الضعيف أحياناً، وأحياناً الجارح والعنيف، يتحول إلى مادة أدبية رفيعة المستوى.
هكذا ظهرت حكايات آيسوب، وحكايات ألف ليلة وليلة، ورمزيات الجاحظ، ومنطق الطير؛ لا بل ذهب الفيلسوف اليوناني أرسطو إلى وضع كتاب بعنوان «تاريخ الحيوان» في القرن الرابع قبل الميلاد، وفي الكتاب تفاصيل عالم حيوان أكثر منها تفاصيل فيلسوف، فقد لاحظ أرسطو وبحسب الصور في الموسوعة الحرة (ويكيبيديا)، أن الأخطبوط يمكن أن يتغير لونه عند الانزعاج كما جاء في شرح الصورة.
من حمار توفيق الحكيم، إلى أسود زكريا تامر، إلى حصان جنكيز ايتماتوف (غولساري)، إلى البوم الذي تحبه غادة السمان، إلى رسائل الحب التي يحملها الحمام الزاجل، إلى الخيول الجبلية والرجال الجبليين في «داغستان بلدي» لرسول حمزاتوف، إلى ناقة عروة بن حزام: «هوى ناقتي خلفي وقدّامي الهوى../.. وإني وإيّاها لمختلفان»، إلى ذئب الأحيمر السعدي «عوى الذئب فاستأنستُ بالذئب إذ عوى.. وصوّت إنسان فكدتُ أطير».. سلسلة من الأدب الرفيع ذهبت البطولة فيه إلى الحيوان، والإنسان الكاتب هو الوحيد مَنْ قام بهذا التوظيف المتخَيّل أحياناً، وأحياناً الواقعي.
الدورة الحادية والعشرون لملتقى الشارقة الدولي للكتاب وهي تضع «قصص الحيوان» شعاراً لها، هي حقاً دورة حقل ثقافي يمتد منذ طفولة الآداب والفنون في العالم وحتى يومنا هذا بلا انقطاع؛ لا بل إن الحيوان وقصص الحيوان موجودة وكثيفة في الأديان، وتحديداً ديننا الأسلوبي، والأساطير الكبرى في التراث الحكائي السردي المتخيل والواقعي مثل الأوديسة والإلياذة وجلجامش والميثولوجيات الفرعونية والفينيقية واليونانية حاشدة بالحيوان والطير والهوام الصغيرة الأرضية والبحرية والسماوية.. بلا انقطاع.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"