عادي
عُملة من الذهب الخالص تحمل صورتها.. وبروكسل تخشى مفاجآت محتملة في برلين

ميركل تغادر المستشارية الألمانية سيدة تاريخية في ذاكرة أوروبا

01:14 صباحا
قراءة 3 دقائق
Video Url
20
MARCELL

كتب: المحرر السياسي
تطوي ألمانيا اليوم الأحد، صفحة مهمة من تاريخها الحديث عندما يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع لاختبار الأعضاء الجد للبرلمان (البوندستاج) واختيار مستشار جديد يخلف السيدة أنجيلا ميركل التي حكمت البلاد مدة 16 عاماً متتالية لأول مرة في تاريخ ألمانيا، وكانت من أقوى صناع السياسة الدولية طوال هذه الفترة شخصية عالمية بامتياز و«سيدة أوروبا» بلا منازع، وربما لم يسبقها إلى المكانة الدولية غير رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت تاتشر خلال ثمانينات القرن الماضي.

وصلت ميركل إلى منصب المستشارية عام 2005، خلفاً للمستشار جيرهارد شرودر، وقادت حزبها «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» لمدة 18 عاماً.

وبعد توليها الحكم واجهت خلال سنوات طويلة، العديد من الأزمات والتحديات، من بينها الأزمة المالية لعام 2008، وأزمة الهجرة في عام 2015، وأخيراً الأزمة الصحية مع انتشار كوفيد 19.

وعلى الرغم من الانطباعات المختلفة داخل ألمانيا وخارجها، حول أدائها، فإن الاستنتاج السائد هو أن هذه السيدة الاستثنائية وضعت نفسها بين أهم بناة ألمانيا الحديثة منذ الحرب العالمية الثانية، ولا تقل عن كونراد أديناور، الذي أعاد الحياة لبلاده (ألمانيا الغربية) وأخرجها من تحت أنقاض الحرب، وهلموت كول الذي وحّد الألمانيتين، وفرض بلاده كثالث اقتصاد عالمي في التسعينات.

أما ميركل فقد كانت لها بصماتها الخاصة في السياسة الألمانية الخارجية، وأساساً ضمن البيت الأوروبي، من خلال تعميق التحالف مع كل الرؤساء الفرنسيين منذ جاك شيراك إلى إيمانويل ماكرون. وطوال هذه الفترة اكتسبت هذه السيدة مكانة كبيرة. ووفقاً لدراسة أجراها المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية في 12 دولة من الاتحاد الأوربي، قال 41% من المستطلعة آراؤهم، إنهم سيصوتون لميركل بدلاً من ماكرون إذا كان لا بد من انتخاب رئيس لأوروبا.

وعلى خلاف العديد من القادة الغربيين، فقد بدت ميركل طوال فترة حكمها مثالاً للقائدة العقلانية الثابتة، على الرغم من ميولها الواضحة إلى إعطاء الأولوية المنهجية للمصالح التجارية والجغرافية الاقتصادية الألمانية.

متغيرات ومخاوف

ميركل ستتنحى بعد تشكيل الحكومة الجديدة، بعد انتخابات يصعب قبل إعلان نتيجتها التنبؤ بالفائز، في ظل التقارب الكبير بين مرشّح تحالف ميركل «الاتحاد المسيحي الديمقراطي والاتحاد الاجتماعي المسيحي» لاشيت (60 عاماً)، خلف منافسه الاشتراكي الديمقراطي أولاف شولتز. وخارج الحدود الألمانية يثير انسحاب ميركل من المشهد السياسي الخوف من حدوث فراغ داخل الاتحاد الأوروبي، في مواجهة مشاريع حاسمة لاستمراريته، ولكن أيضاً يعطي أملاً بالتجديد، وهو أمل يتوقف على متغيرات عديدة تحبكها التطورات الجارية في القارة.

وبالتوازي مع الانتخابات الألمانية، ضاعف قادة الاتحاد الأوروبي مبادرات التكريم والشكر للمرأة القوية، وسط قلق من مفاجآت محتملة قد تحدث في برلين في السنوات المقبلة. واعتزازاً بما قدمته هذه السيدة، تحتفل المتاجر الألمانية على الإنترنت لبيع العملات المعدنية والمعادن الثمينة، بعرض عملات تذكارية مصنوعة من الذهب الخالص عليها صورة ميركل. وعلى العملة تظهر السنوات التي عملت فيها ميركل مستشارة 2005-2021، وهي تزن 0.3 جرام وسعرها 49 يورو.

إشادات وتكريم ونقد

وتهتم الصحف الغربية بانسحابها من السلطة، وكتب جان كريستوف بوكان في صحيفة «لاكروا» الفرنسية، أن المستشارة الألمانية تمتعت بقدر كبير من الحكمة لتجاوز هذه المرحلة، واستطاعت إلى ذلك توحيد الأوروبيين في أكثر من مرة. ويتساءل الكاتب عن السبب الذي جعل الجميع يكنّ كل هذا الإعجاب والاحترام لميركل، وقد يكون ذلك راجع إلى تحلي المستشارة بالمسؤولية وتقبل الآخرين، وطرح المشاكل ومعالجتها بأكبر قدر من المسؤولية. ويضيف الكاتب أن صفحة ألمانيا مع ميركل ستطوى بعد ساعات، غير أن الألمان والعالم لن ينسوا المستشارة التي خدمت بلدها وقضاياه لمدة ستة عشر عاماً. أما صحيفة «ليزيكو» فقد كتبت أن المستشارة الألمانية تمكنت من إثبات موهبتها وحكمتها في السياسة، وحل أكبر المعضلات التي واجهتها خلال فترة حكمها داخلياً وأوروبياً ودولياً، ولكن مع هذا التنويه، هناك بعض النقد الذي سيظل يلاحقها لفترة. وبحسب الصحيفة الفرنسية، فإن «ميركل التي كانت على رأس القوة الصناعية الرائدة في أوروبا، كانت قراراتها تميل إلى تفضيل المصالح التجارية لألمانيا على مصالح الاتحاد الأوروبي. بدليل الشراكة مع روسيا في عز الحرب في أوكرانيا، إضافة إلى تجاهلها تحذير باريس من نمو المنافسة التجارية الصينية، باتباعها سياسة التجارة غير المقيدة وتعاملها بسلاسة مع المنافسين الاقتصاديين للاتحاد الأوروبي».

وفي لندن تناولت صحيفة «تايمز» في عددها أمس السبت، نهاية حقبة ميركل. وقالت الصحيفة إن «أفضل ما يمكن قوله عن أسلوب ميركل في الحكم، هو أنها ساعدت في قيادة أوروبا عبر سلسلة من الأزمات، وستغادر منصبها وهي تتمتع بمعدل قبول يحسدها عليه أي رئيس حكومة في العالم، وسيفتقد الكثيرون براجماتيتها العقلانية، العنيدة، وخاصة لدى اندلاع أقرب أزمة».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"