عادي

ترشيد الاستهلاك ونهوض المجتمع

01:13 صباحا
قراءة 3 دقائق
2401

أحمد حلمي سيف النصر

الإيمان بالله تعالى مالك كل شيء يترك أثراً إيجابياً على سلوك المستهلك وانضباط المعاملات ووقف كل أوجه الاستغلال والغش التجاري، فعندما يعلم الإنسان ويؤمن بأن الله هو المالك الحقيقي والأصلي لمستلزمات الإنتاج والتجارة من أموال وسلع، ويؤمن بذلك المستهلك والتاجر، وهما طرفا المعاملات التجارية، فسوف يتحقق العدل بين الطرفين.

وقد حث الإسلام على إرساء القيم المعنوية لدى المستهلك المسلم، وذلك باعتبار أن هذه القيم هي مناط التعامل بين المستهلكين والتجار، ومن ذلك أن التجارة لها سمات خاصة فهي عنوان المسلم في الأمانة والصدق، وهي مصدر خصب لنشر الدعوة الإسلامية، ومصدر حضاري كان يتمتع به المسلمون الأوائل؛ لأنها بنيت على قيم معنوية تتفرع منها قيم العقيدة الإسلامية، حيث برز دورها الكبير في ضبط المعاملات التجارية وسلوك المستهلك وهذه بدورها تدعم الثقة بين المتعاملين فتزداد المبيعات ويحصل المستهلكون على أقواتهم في أمان واطمئنان وتزداد أموال التجار الحلال.

وحين يدعو الإسلام إلى الصبر والرضا، فليست هذه دعوة إلى التزهد والحرمان، وإنما هي دعوة لاحتفاظ النفس بطمأنينتها ومن ثم مواجهة الشدائد التي قد تعترضها إلى أن تزول أو تزال. أما بعد ذلك فكل فرد له أن يستمتع بمباهج الحياة، والجماعة مطالبة بأن تهيئ هذه المتعة لأفرادها جميعاً، فلا تحرمهم مما يدعوهم الله أن يستمتعوا به في الحياة الدنيا، أما أن يتضخم هذا التمتع والتنعم، فهو أمر لا يقره الإسلام ويصفه بالإسراف والتبذير. ومن هنا، فإن للإسلام تعاليم تهدف إلى تنظيم الاستهلاك وترشيده فحرّم حياة الترف ونهى عن الإسراف والتبذير والسفه وأمر بالاعتدال في الإنفاق دون مغالاة أو إمساك.

والانتفاع بنعم الله والاستفادة بما خلق أمر مطلوب طالما أنه لا يقوم على إدخال الضرر بالنفس أو الإضرار بالغير. يقول الله تعالى مخاطباً بني ادم:«يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» الأعراف (31).

الإسلام يطلب الاستمتاع بمباهج الحياة المعقولة للناس جميعاً، كبيرهم وصغيرهم، غنيهم وفقيرهم، لذا وجّه الخطاب إلى بني آدم ولكن المسلم له سمات بارزة تنعكس على طريقة استهلاكه، فهو معتدل لا يقتر ولا يسرف في ماله انطلاقاً من منهج يسير عليه وصفات يتصف بها وهي القوام والتوسط والاعتدال في كل شيء، فالله تعالى يأمرنا بذلك ويثني على المعتدلين بقوله: «وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ». وفي نفس الوقت حذر المسلم من استهلاك أية سلعة محرمة تلحق ضرراً بصحته أو ماله، فهو مطالب باستهلاك الطيبات والامتناع عن الخبائث.

وعندما يوجهنا الإسلام إلى ترشيد الاستهلاك، فإنه يهدف بذلك على الصعيد الخاص إلى توجيه الأنماط والعادات الاستهلاكية الغذائية، بحيث يتسم السلوك الاستهلاكي للفرد أو الأسرة بالتعقل، الاتزان، الحكمة، الرشادة، الموضوعية والمنطقية، ويهدف على الصعيد العام إلى تحسين نمط حياة السكان، والعمل على رفع مستوى معيشتهم، وتطوير الاقتصاد من خلال تنمية مختلف القطاعات، وبالأخص التطبيق المنظم والشامل لسياسات الغذاء والزراعة والمناطق الريفية، إضافة إلى توفير الكمية المناسبة من الأغذية ذات النوعية الجيدة والمأمونة صحياً وذات الأسعار المناسبة.

واذا رجعنا إلى الفقه الإسلامي سنجده قد اهتم بالحاجات المختلفة للمستهلكين وصنفها حسب أهميتها ووضع كل حاجة في ترتيبها اللائق بها، ووضع من التشريعات العملية ما يضمن استمرار الإنتاج وشموله وتوازنه وإتقانه، وإلى جانب ذلك عملت الشريعة على استقرار السوق وحفظه من التصرفات التي تؤدي إلى اضطرابه فحرمت الاحتكار والغش والبيع على بيع الغير وبيع الحاضر للباد كما أكدت خطر كل تصرف يؤدي إلى رفع السعر على المسلمين دون داعٍ. كما حرم الإسلام الغش والتدليس والغبن الفاحش وكل ما يؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل، ومنها بيوع الغرر لما فيها من الضرر والخطر العام والخاص، فأبطلها حتى تتجه الجهود إلى أصول المكاسب الحقيقية من صناعة وتجارة وزراعة، وطهر جهازه الإنتاجي من كل السلع الضارة ببدن الإنسان وعقله ودينه، حتى تتجه الطاقات إلى الطيبات التي يستعان بها على طاعة الله، عز وجل.

أما الإسراف فهو مجاوزة الحد في كل فعل أو قول، والتبذير هو النفقة في معصية الله وغير الحق. وقد شبّه القرآن المبذرين بالشياطين أعداء البشرية، أما السفه فهو إساءة التصرف في المال والسفيه من ينفق ماله فيما لا يعود عليه بمنفعة عاجلة أو آجلة، كأن يقامر أو ينفقه في اللذات المحرمة الضارة بالبدن والعرض والدين. قال صلى الله عليه وسلم «كُلْ وَاشْرَبْ وَالْبَسْ وَتَصَدَّقْ فِي غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا مَخِيلَةٍ» أخرجه أبو داود وأحمد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"