عادي
أزمة «كورونا» تؤكد الحاجة الماسة إلى فهم الدين

تعاليم الإسلام.. حماية في مواجهة الأوبئة

01:22 صباحا
قراءة 5 دقائق
2402

القاهرة: بسيوني الحلواني

أكد علماء أن تعاليم الدين المتعلقة بالنظافة والوقاية والاهتمام بالصحة العامة تمثل جزءاً مهماً في منظومة الحماية من الأوبئة وغيرها من الأمراض الخطرة التي انتشرت في عالم اليوم. وشددوا على ضرورة حرص الإنسان على الإجراءات الوقائية سواء استمرت «كورونا» أو خلصنا الله منها، معتبرين حماية النفس من الإصابة بهذه الأمراض الخطرة «من الواجبات الدينية التي لا يجوز التخلي عنها».

حذر العلماء والخبراء من التعامل بسلبية وتواكل مع الأمراض الخطرة، ووصفوا المتواكلين في هذا الشأن بأنهم «بعيدون عن تعاليم الإسلام ولا يأخذون بالأسباب».

في البداية سألنا د. أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء ورئيس جامعة الأزهر الأسبق: ماذا قدم الإسلام للحماية من الأمراض عموماً وخاصة الأمراض الوبائية؟ وما موقف الشرع في هؤلاء الذين يتعاملون بتواكل وسلبية مع الإجراءات الاحترازية التي يؤكدها خبراء الصحة لتفادي الإصابة بالأمراض الوبائية ومنها فيروس كورونا؟

قال: لا شك أن تعاليم الإسلام في النظافة والطهارة تلعب دوراً مهماً في حماية الإنسان من الأمراض عموماً، والوبائية على وجه الخصوص، فالمطلوب شرعاً من المسلم أن يغسل يديه ووجهه، وباقي أعضاء جسده الظاهرة خمس مرات في اليوم ليصلي، ولو حرص المسلم على أداء الصلوات في وقتها وتوضأ لها لكان ذلك يعد، في عرف أطباء الصحة العامة، أمراً مهماً لحماية الإنسان من مختلف الأمراض التي يمكن أن تلحق به نتيجة عدم العناية بنظافة بدنه.

ويضيف: إذن، تعاليم الإسلام في النظافة والطهارة تقف حائلاً في طريق تناقل الأمراض الوبائية، وهي ما ينصح به الآن خبراء الصحة في العالم؛ إذ يؤكدون على النظافة وغسل اليدين والوجه جيداً عدة مرات كل يوم، وينصحون بالتباعد الاجتماعي، والعزل الصحي.. ولذلك علينا جميعاً الحرص على تطبيق ما ينصح به الأطباء، وتهاون البعض في التعامل مع هذه الإجراءات في مواجهة «كوفيد 19»، والتعامل مع هذه الجائحة بسلبية وتواكل، مسلك مرفوض شرعاً؛ إذ لا يجوز بأية حال تقاعس المسلم عن ذلك بحجة القضاء والقدر، لأن تلك التدابير هي من قضاء الله الذي أمر به، فقد جعل السعي للإفلات من الإصابة بالطاعون من القضاء والقدر، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لأبي عبيدة لما نزل الطاعون بعمواس في الشام، وقال معترضاً على الإفلات من الطاعون: كيف نفر من قدر الله؟ فأنكر عليه عمر قائلاً: «لو قالها غيرك يا أبا عبيدة، نفر من قدر الله إلى قدر الله».

ويؤكد د. هاشم أن الإسلام يتعامل مع التدابير الوقائية على أنها نوع من الدواء والعلاج الوقائي، فالدواء بحسب طبيعة المرض وخطورته، والتداوي مطلوب شرعي لقوله صلى الله عليه وسلم: «تداووا عباد الله فإن الله الذي خلق الداء خلق الدواء».

مسؤولية جماعية

يؤكد د. أحمد عمر هاشم أن الحماية من الأمراض الوبائية الخطرة ليست مسؤولية فردية تدفع الإنسان إلى سلوك أناني لينجو بنفسه ولا علاقة له بالآخرين؛ بل هي في نظر الإسلام مسؤولية جماعية؛ لذلك فإن واجب الإنسان شرعاً أن يحمي نفسه وغيره، وكل من يتسبب في مرض غيره أو انتقال العدوى له آثم شرعاً.

ويرى د. هاشم أن «الأخذ بأساليب الوقاية التي ينصحنا بها الأطباء والتي سبقت بها تعاليم الإسلام وآدابه لا ينبغي أن تصرفنا عن اللجوء للخالق طلباً للنجاة والعفو والرحمة، فهناك من أصيب وانتقل له المرض الخطر رغم حرصه الشديد على اتباع ما ينصح به الأطباء وخبراء الصحة، فالحماية لها جانب إيماني لا ينبغي أن نغفل عنه؛ لذلك علينا أن نداوم على الدعاء إلى الله بأن يرفع عنا وعن البشرية كلها هذا الوباء».

وينصح د. هاشم كل الأسر التي فقدت أعزاء عليهم بسبب الوباء بالصبر والاحتساب، ويقول: واجبنا أن نقابل كل ما يقدره الله لنا في صحتنا ومعيشتنا وحياتنا كلها بالرضا، فالإيمان بقضاء الله وقدره جزء من عقيدة المسلم التي يجب أن تكون مكتملة وخالصة لوجه الله الكريم.. وعلى كل إنسان أن يعلم أنه لا يقع في كون الله الواسع الفسيح إلا ما يقدره ويريده، فالكون والرزق والحياة والموت، والصحة والمرض، كل من قدر الله وقضائه، ولا يجوز مقابلة ذلك بالسخط والغضب والضجر.

مطلب شرعي

د. عباس شومان، وكيل الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية، يؤكد أهمية التقيد بتعاليم الإسلام في مواجهة الأمراض الوبائية الخطرة التي أصبحت تهدد الإنسان في هذا العصر وتسببت في حصد أرواح الملايين. ويقول: الله، سبحانه وتعالى، كرّم الإنسان ومنحه العقل والوعي ليدرك به ما يفيده وما يضره، وعلى الإنسان أن يحكّم عقله، ويسعى إلى معرفة ما يضره فيبتعد عنه ويتجنبه، وهناك العديد من الأوامر والتوجيهات الدينية التي تحث الإنسان على نظافة بدنه وثوبه ومسكنه، وتجنب كل ما يضر بصحته، والعزل الذي يطبق الآن على مرضى «كورونا» لتجنب انتشار المرض هو من ابتكار الإسلام.

ويضيف: ديننا يحثنا على الالتزام بالإجراءات الاحترازية التي يرشدنا إليها الأطباء، فالحماية والوقاية من المرض مطلب شرعي، وثقافة إسلامية، ينبغي أن يحرص عليها كل مسلم.. ومن الناحية الشرعية لا مشكلة في اتخاذ أي إجراءات ضرورية يرى خبراء الصحة أنه لا بديل عنها لحفظ صحة الناس وحياتهم، فهو من مقاصد شريعتنا الغراء؛ ولذا أمرنا كتاب ربنا بإبعاد أنفسنا عن موارد التهلكة؛ حيث يقول: «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة»، ويقول: «ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً».

ووفق شومان، فإن «ما يلزم لتحقيق حفظ حياة الناس يجب الأخذ به ولو كان متعلقاً بعبادة، فقد حرم الشرع الصيام على المريض مرضاً يؤدي به الصوم إلى التهلكة، وكذا كبير السن الذي لا يقوى على الصوم، وأسقط عن الحائض والنفساء الصلاة مدة العذر، وألزمهما تأجيل الصيام حتى الطهر، ولم يُلزم المسافر بصلاة الجمعة؛ بل له أن يصليها ظهراً مع قصره، وكذا قصر العصر والعشاء، وفي حالات الخوف غيّرت شريعتنا هيئة الصلاة المعهودة ليجمع المصلون بينها وبين مراقبة العدو وقتاله إن باغتهم وهم في صلاتهم، وفى كتب الصحاح العديد من النصوص الدالة على جواز ترك الجمع والجماعات في المسجد في حال المطر الشديد وتضرر الطرق».

ويقول: إجراءات الحجر الصحي التي تتخذها الدول ليست بدعة، ولا من مستحدثات عصرنا؛ بل عرفها شرعنا في صدره الأول حين قال، صلى الله عليه وسلم، عن الطاعون وهو كل مرض معد يمثل خطورة على حياة الناس: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه»، وهذا هو المعنى الحرفي للحجر الصحي، وطبقه الصحابة في عهد سيدنا عمر، رضي الله عنه، حين ظهر الطاعون بأرض الشام وكانوا على مشارفها فلم يدخلوها بعد أن شاور سيدنا عمر، رضي الله عنه، المهاجرين والأنصار فاختلفوا حتى ذكر عبدالرحمن بن عوف، رضي الله عنه، أنه سمع الحديث السابق عن رسولنا، صلى الله عليه وسلم.

تواكل وسلبية عن موقف الشرع من سلوك المسلمين الذين يتعاملون بتواكل وسلبية مع الإجراءات الاحترازية التي يؤكدها خبراء الصحة لتفادي الإصابة بفيروس «كورونا»، يقول د. محمد الشحات الجندي، أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو مجمع البحوث بالأزهر: تهاون البعض في التعامل مع هذه الجائحة، واستقبالها بسلبية وتواكل، مسلك مرفوض شرعاً، لأن نواميس الحياة المنظمة لشؤون الكون قائمة على الأسباب والمسببات، وأن الغاية مرتبطة بالوسيلة لا تتخلف عنها.. لذلك جاء الأمر الإلهي: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة»، فالآية الكريمة جمعت بين الإيمان والتقوى، ولم يكتف النص بهما، إنما قرنهما بالوسيلة لاستحقاق الفلاح. والتدابير الاحترازية المقررة إقامة لواجب شرعي ووطني يهدف إلى الوقاية من الإصابة بالفيروس الفتاك، حفظاً لحق الحياة، وهذه الوقاية مأمور بها شرعاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"