علي قباجه
يخوض العراق تجربة انتخابات عامة برلمانية في العاشر من الشهر الجاري، هي الخامسة منذ 2003، بينما تواجه البلاد انقسامات لا مثيل لها، بين الكتل، والأحزاب، والسياسيين، إلى جانب الحراك الذي ضغط بقوة، لاستبدال الطبقة السياسية المُتحكمة بأوصال الدولة المنهكة، اقتصادياً وسياسياً وأمنياً وصحياً.
على الرغم من المطالب المتصاعدة لإنهاء النظام المعقد الذي وجد بعد الغزو الأمريكي، حيث تتنافس فيه الأحزاب والقوى السياسية على أسس طائفية وعرقية، فإن هذا النظام سيكون عماد الانتخابات المقبلة التي تأخذ شكل التصارع وليس التنافس بين الكتل التي في أغلبها تسعى إلى زيادة حظوظها خدمةً للطائفة أو المصالح العرقية أو فئات محدودة من الجماعات، دون الاكتراث بحاجات الشعب الذي يعاني وطأة الفقر، وتفشي «كورونا»، وانعدام الأمن في ظل تصاعد الإرهاب، وعلو كعب الميليشيات.
وفقاً لمفوضية الانتخابات العراقية، فإن الجولة المقبلة يتنافس فيها 21 تحالفاً سياسياً، فيما يبلغ عدد الأحزاب المشاركة 167، بينها 58 ضمن التحالفات، ويتنافس 3294 مرشحاً بينهم 951 امرأة، ليشغلوا 329 مقعداً، وتشير هذه الأرقام إلى حالة التشظي والانقسام التي تعشعش في بلاد الرافدين.
هذه الانتخابات كان من المفترض أن تُنظم العام المقبل، لكن موعدها قُدم استجابة لضغوط المحتجين، الذين نزلوا إلى الشوارع، وجابهوا الحكومة وأجهزتها والميليشيات المنتشرة، وقوى خارجية أرادت تثبيط حراكهم، الذي انطلق بسبب تفشي الفساد وضعف الخدمات وإساءة النخبة استغلال السلطة لإثراء نفسها. لكنّ الناشطين الذين كان هدفهم الأبرز إقصاء الطبقة السياسية بأكملها، منقسمون أيضاً حول ما إذا كان عليهم دخول المنافسة أم لا، في حين أنهم حتى لو قرروا خوض غمار الانتخابات فمن المتوقع ألا يحوزوا سوى عدد قليل من المقاعد.
يحاول سياسيو العراق الترويج للانتخابات القادمة كونها مغايرة لسابقاتها في ظل قانون انتخابي جديد يقسم المحافظات إلى دوائر انتخابية على أساس الأقضية والمدن، إضافة إلى اعتماد الترشيح الفردي دون الانضواء في قوائم، وهذا من الممكن أن يكون أكثر تعبيراً عن إرادة الشعب عبر تعزيز فرص المستقلين؛ إذ يكون الفوز بالمقعد بحسب عدد الأصوات التي يحصل عليها المرشح، وليس بالاعتماد على أصوات القائمة التي ينتمي إليها كما كان في السابق. لكن ذلك لا يلغي قوة الأحزاب والكتل على الساحة العراقية، ولا يبدد المخاوف من تدخلها واستخدامها النفوذ، لقلب النتائج لمصلحتها، وإبقاء البلاد تراوح مكانها دون أي تقدم لانتعاش محتمل.
الحكومة تعهدت بإجراء الانتخابات بكل نزاهة، حيث سمحت ل130 مراقباً دولياً بمتابعتها، لكن هذه التصريحات لا تكفي في ظل حالة الاستقطابات؛ إذ يتعين عليها ترجمة أقوالها إلى أفعال من خلال العمل الجاد - إذا أرادت تغييراً حقيقياً- على تعزيز الشعور الوطني، وتشجيع الناخبين العراقيين على الإدلاء بأصواتهم، في ظل حالة الإحباط.
العراق بحاجة إلى برلمان حقيقي ينتشل البلاد من أزماتها، فهل تكون الانتخابات الترياق لكل ما نزل بأرض الرافدين من داء على مر السنوات المنصرمة؟