الآخر شرط وجود ومعرفة

00:01 صباحا
قراءة دقيقتين

البعض يعتقد أنه في غنى تام عن الآخرين، وأن انفراده بنفسه والاستغناء حالة دائمة وصحيحة للحياة. والحقيقة، قصر الزمن أو طال، أن مثل هذا القرار خاطئ على عدة جوانب. في البداية قد لا يشعر بحجم وأثر مثل هذا التوجه، لكن على المدى البعيد قد تظهر بوادر وعلامات توضح أن الإنسان دون الآخرين، دون التفاعل، دون الاندماج، دون الأخذ والعطاء، هو إنسان مريض نفسياً أو على الأقل لديه مشاكل داخلية تحتاج للحل والتوقف معها.
 عرفنا منذ أمد طويل من خلال العلم ومن خلال الطب ومن خلال الملاحظة والمشاهدة، أن الإنسان اجتماعي، بل من الطبيعي أن يكون مندمجاً ويعيش مع الآخرين، يعيش بشكل طبيعي في مكون أسري لديه الصحب والأقارب ونحوهم، وعند الخروج والابتعاد عن هذا النمط يعتبر خروجاً عن المألوف أو عن الطبيعي. قد نشعر في بعض الأحيان بالحاجة للانفراد بالنفس، للتأمل، للدراسة والبحث والتقصي، الخلوة مع النفس مفيدة للعقل والروح، هي بمثابة تنقية طبيعية وصفاء، بل إن هناك مدارس تعلم وتوجه في هذا المجال، لكنها مطلب وتوجه مؤقتان لتحقيق غاية محددة، تتطلب الابتعاد عن الصخب والتركيز، مثلما يحدث عندما ينفرد الطالب بنفسه للاستذكار. لكن وجود الناس في حياتنا حيوي ومهم، في مختلف مفاصل المجتمع، يُتطلب تواجد الآخر والاندماج معه، حتى معرفتنا لأنفسنا نحتاج فيها لهذا الآخر، ومعرفة مدى الخطوات التي حققناها وأين وصلنا، بل العمل نفسه الذي نقوم به ما فائدته والغاية منه إن لم يكن مفيداً للناس والمجتمع الذي نعيشه فيه.
 الفيلسوف والروائي والكاتب المسرحي، والناقد الأدبي الفرنسي جان بول شارل ايمارد سارتر، له كلمة تصف أهمية الآخر في حياتنا، قال فيها: «لو أردت أن أعرف شيئاً عن نفسي فلن أستطيع القيام بذلك إلا عن طريق الآخر، لأن الآخر ليس فقط شرط وجودي بل هو أيضاً شرط المعرفة التي كونتها عن ذاتي».
 هذه الأهمية للناس والمجتمع، تكمن في المعرفة التي نحتاج إليها والتي نتلقاها، تكمن في عملنا الموجه نحوهم، فضلاً عن هذا فيما نتلقاه نحن وما نستقيه، الناس والمجتمع هم الحياة التي نتنفسها ونعيشها ونعمل فيها ونجتهد ونسابق ونسعى.
[email protected]
 www.shaimaalmarzooqi.com

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناشرة إماراتية ومؤلفة لقصص الأطفال وروائية. حصلت على بكالوريوس تربية في الطفولة المبكرة ومرحلة ما قبل المدرسة والمرحلة الابتدائية، في عام 2011 من جامعة زايد بدبي. قدمت لمكتبة الطفل أكثر من 37 قصة، ومتخصصة في أدب اليافعين

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"