مأزق انهيار حصانة اللغة

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

هل خطرت ببال علماء العربية مشاهد مصير لغتنا أمام حملات التشويهات الغازية في وسائط التواصل؟ لا داعي إلى المبالغة في التشاؤم، كتصور مقوّمات لغتنا كالقطعان في مقاصب شيكاجو الآلية. للغويينا أن يكتفوا بالرثاء لحال الكتب التي علاها الغبار، توهم مؤلفوها تقويم ألسنة الإعلاميين وأقلامهم. اليوم المصيبة وسائط التواصل: «تكاثرتِ الظباء على خراشٍ... فما يدري خراشٌ ما يصيدُ». معذرة، فالمثل في غير محله، وإنما دماثة الخُلق لا تبيح مثل المثل: «كالخنفساء، لا تؤكل ولا يُلعب بها». جلّ «تويتر» كذلك.
لا نتهرب من القضية: لغتنا ليست لها حصانة. لا حديث عن مناعة لغوية، لأنه لم توجد، ولا توجد، ولن، لغة لها مضادات حيوية أو كريات بيضاء تأتي معها وراثياً. لا تنأ بعيداً فتتيه في متاهات البحث عن الأسباب. ببساطة: علماء العربية بعيدون من ساحات الفعل الفاعل الفعّال، لا هم حاضرون في وسائط الإعلام، يطرحون القضايا اللغوية الحساسة ويبحثون عن الحلول، فيستنير الناس، ولا هم على علاقة بالأطراف المعنية: أصحاب القرار، أنظمة التربية والتعليم... لم نسمعهم يوماً يطرحون في الصحافة والفضائيات، قضايا مثل فشل تعريب العلوم، الإخفاق العجيب في تبسيط قواعد اللغة... هل تنتظر المجامع اللغوية أن يهبّ النجار والحداد والطبيب والمهندس، لتطوير النحو والصرف؟
 على الأساتذة الأفاضل أن يتريثوا قليلاً قبل التفكر في هاتين الصورتين. الأولى قديمة: في العصر العباسي، كان اللغويون جنرالات في غرفة العمليات، مع حقيقة أن الاستدلال التبريري هو أن القرآن الكريم أساس قيام علوم اللغة بكل ميادينها. الصورة الأخرى حديثة: المجمع اللغوي الفرنسي (مجمع الخالدين)، علماء العلوم فيه والنحاة والأدباء يعرفهم الفرنسيون جيداً في الشاشات والأعمدة والندوات والتأليف والنشر، بلا انقطاع، حتى صارت الصحف والمجلات والفضائيات تضطلع بأدوار متعددة في حماية اللغة واستكشاف أسرارها، يومياً وعلى الدوام.
لعل الصورة الكاريكاتورية غير لائقة، لكن يجب وضعها في الحسبان: قد تصبح المقولة: «خطأ شائع خير من صحيح مهمل»، هي القاعدة. إذا بدا لك هذا محالاً، فأنت خليّ البال، غير معنيّ بمهاوي اللغات. قد يقول أولئك يوماً: ما للذين يدّعون العلم بالعربية لا يحسنون كتابتها. تمسي الأغلاط قواعد.
لزوم ما يلزم: النتيجة الجناسية: مفتي تونس، زمن بورقيبة، المرحوم الفاضل بن عاشور قال ساخراً من تردي العربية: «ما لهؤلاء يريدون محو النحو وصرف الصرف؟».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"