هذا سؤال جيد

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن

«هذا سؤال جيد»، ما أكثر ما نسمع هذه الجملة في الحوارات التي تبث على الفضائيات من الضيوف وهم يردون على المذيعين والمذيعات الذين يحاورونهم، حين توجه لهم الأسئلة حول القضايا موضوع النقاش في تلك الحوارات، ونسمع هذه الجملة أيضاً في الندوات والمحاضرات وورش التدريب، حين تنفرج أسارير المحاضر من سؤال وجهه أحد الحاضرين إليه، فيبدأ بالقول: هذا سؤال جيد.
توحي الجملة على لسان هؤلاء وسواهم، أو حتى في الأحاديث الثنائية أحياناً، عن أن ما يوصف ب «السؤال الجيد» يتيح لمن وجه إليه أن يبسط الفكرة أو الأفكار التي في ذهنه بالمزيد من السهولة واليسر، وبشيء من الاستطراد والشرح، لأن السؤال سلط الضوء على جوانب موجودة في ذهن المحاضر، وكأن السؤال استدعاها أو أيقظها من غفوتها.
وبالطبع، فإن المحاضر أو الضيف في الحوار التلفزي حين يقول: «هذا سؤال جيد»، يوحي لنا بأنه يعبر عن الامتنان لسائله، لأنه بهذا السؤال الجيد نبهه إلى مسائل كان يجب أن تقال، ولكنه غفل عنها في بداية محاضرته أو مداخلته، كأن لسان حاله يقول: شكراً لك لأنك أثرت هذه المسألة في سؤالك.
إلى هنا يبدو الأمر مفهوماً وعادياً، لكن حديثاً في مدونة صوتية باللغة الإنجليزية ينبهنا إلى مسألة لا تخطر على بالنا، وقد تخرج عن دائرة «السين والجيم» كما يقال، وتندرج في خانة التحليل النفسي، وهي أن عبارة «هذا سؤال جيد» في مستهل الإجابة عن أي سؤال قد تنم عن حيرة وارتباك من وُجه إليه السؤال في تقديم الإجابة المطلوبة بالسرعة والسلاسة المطلوبتين، كأنه بهذه العبارة، يحاول أن يعطي نفسه فرصة لإعادة ترتيب أفكاره، خالقاً حالة من الرضا لدى السائل، كونه وصف سؤاله بالجيد، وهذا الشعور بالرضا قد يضعف تركيز السائل في الاستماع إلى «جواب» المحاضر، الذي قد يكون، في حقيقته، شيئاً آخر، وليس جواباً على السؤال المطروح بالضرورة.
يشار هنا إلى مفردات أخرى يلجأ إليها بعض من توجه إليهم أسئلة، تنم عن حيرتهم في الإجابة، كما كان يفعل الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما الذي كان يكثر من استخدام كلمة: «انظر»، أو «اسمع» في مخاطبته للصحفي الذي يوجه إليه سؤالاً، قبل أن ينتقل للإجابة عن السؤال أو محاولة الإجابة، أي أن مثل هذه المفردات بمنزلة جسر للدخول للإجابة التي قد لا تكون حاضرة بصورة تلقائية لحظتها.
جملة «هذا سؤال جيد» هي عكاز لغوي يتوكأ عليه من وجه إليه السؤال علّه يأخذه للإجابة، هكذا تعتقد المدونة الصوتية المشار إليها.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"