تغير المناخ ولوبي شركات النفط العالمية

21:26 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

23 يونيو 1988 هو اليوم الذي أصبح فيه تغير المناخ قضية وطنية في الولايات المتحدة الأمريكية. في ذلك التاريخ قدم الدكتور جيمس هانسن، الذي شغل منصب مدير معهد دراسات الفضاء التابع لوكالة «ناسا» الفضائية الأمريكية، شهادة تاريخية أمام لجنة الطاقة والموارد الطبيعية في مجلس الشيوخ الأمريكي، أعلن فيها «أن الاحتباس الحراري وصل إلى مستوى يمكننا من خلاله أن نعزو بدرجة عالية من الثقة، السبب والعلاقة بين الاحتباس الحراري والاحترار الملحوظ؛ وإن أسباب هذه الظاهرة تعود إلى الاستغلال البشري لمصادر الطاقة الكربونية؛ وإن هذا يغير مناخنا الآن». وهو نفس العام، بالمناسبة، الذي شهد ولادة الهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ.

يومها تصدرت هذه الأخبار المقلقة عناوين الصحف في الولايات المتحدة، مثل صحيفة «نيويورك تايمز» والصحف الكبرى الأخرى. كما اعترف السياسيون والشركات والمنظمات البيئية بأهمية هذا الموضوع، ودخل تغير المناخ إلى الساحة السياسية بطريقة غير حزبية إلى حد كبير. واليوم وبعد عقود من التوعية والتثقيف العام بشأن تغير المناخ والمفاوضات الدولية لمعالجته، لا يزال التقدم المحرز في التصدي له، متعثراً، نتيجة للتقاعس السياسي الناتج عن الانقسام الهائل في الرأي العام الأمريكي، الناتج بدوره من حملة تضليل متعمدة لإعادة توجيه النقاش العام حول تغير المناخ في السنوات التي أعقبت شهادة هانسن.

في الأثناء، كانت مستويات ثاني أكسيد الكربون تستمر في الارتفاع. في عام 1988، بلغت مستوياتها في الغلاف الجوي 353 جزءاً في المليون (طريقة قياس تركيز جزيئات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي). وفي يونيو 2018، وصلت إلى 411 جزءاً في المليون. وكما توقع هانسن حينها، فقد تسببت هذه التركيزات الكربونية المتزايدة في حرائق الغابات الكارثية في غرب الولايات المتحدة والأعاصير الهائلة المرتبطة بالفيضانات التاريخية، وتواتر فترات الجفاف الممتدة، وارتفاع مستويات سطح البحر، وزيادة تحمض المحيطات، وانتشار الأمراض المدارية على نطاق واسع، وتدمير الشُعُب المرجانية.

وقد قام معهد البترول الأمريكي الذي يضم حوالي 600 شركة ومؤسسة عاملة في صناعة النفط والغاز، بتعميم نتائج الأبحاث هذه على أعضائه. وبحلول عام 1978، اقترح أحد كبار التنفيذيين في شركة إكسون موبيل إنشاء برنامج بحث وتطوير عالمي بعنوان «ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي»، لتحديد الاستجابة المناسبة للأدلة المتزايدة على تغير المناخ. لكن لم يتم الالتزام بهذا المسار. بدلاً من ذلك، اجتمعت في عام 1989، مجموعة من شركات الوقود الأحفوري والمرافق ومصنعي السيارات، لتشكيل التحالف العالمي للمناخ، الذي عمل على منع تبني الولايات المتحدة لبروتوكول كيوتو. وقد برر التحالف هذا الفعل بالقول إن ظاهرة الاحتباس الحراري كانت حقيقية لكنها يمكن أن تكون جزءاً من اتجاه الاحترار الطبيعي. فكان أن استمر تحالف هذه الشركات في نشر المعلومات الخاطئة عن المناخ، بما في ذلك محاربة بروتوكول كيوتو. وفي عام 1998، بدأت API، وإكسون موبيل، وشيفرون، وساوثرن، والعديد من مراكز الفكر المحافظة، حملة علاقات عامة واسعة بهدف ضمان أن يصبح التعرف إلى عدم اليقين في علم المناخ جزءاً من «الحكمة التقليدية». ومع أن هذا التحالف قد اضطُر في عام 2001 لحل نفسه تحت ضغط تعاظم قضية المناخ، إلا أن شركة إكسون موبيل استمرت في تمويل المعلومات الخاطئة عن المناخ بهدوء، وتمويل التبرعات من خلال مراكز أبحاث محافظة ومتشككة، مثل معهد هارتلاند.

الآن وصلت الضغوط على شركات النفط الوطنية والعالمية، إلى أعلى مستوياتها، من أجل دفعها للتوافق مع هدف 1.5 درجة مئوية لاتفاق باريس للمناخ. وهي صارت مطالَبة اليوم - بعيداً عن التزاماتها المعلنة - بخفض إنتاجها بنسبة 4% سنوياً من عام 2020 حتى عام 2030، بحسب «تقرير فجوة الإنتاج» (تقرير تصدره منظمات بحثية مع الأمم المتحدة، يسلط الضوء على التناقض بين مستويات إنتاج الوقود الأحفوري المخطط لها في البلدان والمستويات العالمية اللازمة للحد من الاحترار العالمي). في حين تشير الخطط والتوقعات الحكومية الحالية إلى زيادة سنوية في الإنتاج نسبتها 2% في المتوسط. وهو ما يثير التساؤل حول دور شركات النفط الوطنية في عالم يتكيف مع تغير المناخ وتراجع النفط. 

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"