دردشة في عجائب «ونيّف»

00:30 صباحا
قراءة دقيقتين

ماذا سيفعل البشر بمقاييسهم ومكاييلهم، أمام الدقّة الذرّية لدى الذكاء الاصطناعي؟ عند التحاور مع الآلة الذكية، سيكون لزاماً التخلّي عن التراكيب الفضفاضة الغامضة والتعبير بالمعادلات.
المعلوماتية، البيولوجيا، العلوم العصبية، فيزياء الكمّ، النانو تقانة، لا تستوعب عبارات مثل: ونيّف، تقريباً، ينقص أو يزيد، في هذا السياق، وما شابه، وقس على ذلك، وغيرها كثير، يراوح بين كذا وكذا، وما يتصوره خيالك، إلخ إلخ. يعييك البحث عن الأسباب التي كانت منشأ عدم الدقة. لكن، عند التعمّق ستكتشف أموراً مذهلة. في العلوم وخارجها.
خذ العقل العربي مثلاً، والعبارة في حدّ ذاتها أعجب تجاوز منطقي فكري، لكن جرى ذلك عند قامات كالجابري وأركون وغيرهما والأقلام على آثارهم، الذهنية قائمة على منظومة القيم التي يصوّرها الشعر الجاهلي. أهمّ أداتين في أشعارهم، هما: «الواو» (واو العطف، واو رُبّ، واو الحال)، و«كأن» (معلقة طرفة نموذج واضح). «الواو» قال عنها أدونيس مرّة إنها «تدل على عقليّة التجميع». (تأمّل ذلك في: صبح الأعشى، محاضرات الأدباء، العقد الفريد). «كأن» تعني التشبيه لا الشيء نفسه. ألا ترى أن هذا يفضي بنا إلى النسبية، التي لا نهاية لصورها في كل شيء؟ الضوء الأبيض هو مجموعة ألوان الطيف. في التصوف يهيم العرفاء بالوحدة في الكثرة، والتعدد في الوحدة. الشاعر شارل بودلير، صوّر في قصيدة «تجاوبات»، تجاوب العطور والأصوات والألوان، لكن سبقه جلال الدين الرومي، بستة قرون (ونيّف) إلى تجاوب الحواس: «كلّي أذن صاغية كيما أرتشف حديثك». ويقول: «صورتي ردّدت من مقلتك نغما، أنني أنت، أنت أنا، في اتحاد». في الموسيقى، ثمّة نسبيّة ضمن التقنيات. «فيبراتو» تعني أن تتذبذب إصبع العازف على الوتر، أو الهواء في النفخ، أو حنجرة المغنّي، حول الدرجة الصوتية، لإحداث ارتعاش جماليّ، (يعني يراوح، حوالي)، «فيرماتا»، صورتها فوق الدرجة الصوتية أو السكوت، مثل النون المقلوبة، تعطي العازف حرّية تمديد المدّة كما يرى (ونيّف).
الأمور المذهلة التي نكتشفها عند تأمل عجائب أداء الدماغ، هي أنه قبل أن يتقدم الإنسان العاقل على طريق التفكير الذي يقوده إلى تشييد الحضارات بالثقافات والديانات والفنون والآداب والعلوم، كان المخ البشري، بل حتى قبل أن يصير عاقلاً، يعمل بفيزياء الكمّ، هو خاضع لها بيولوجياً من الأساس. أيّ نسبية أعجب من أن الإلكترون هو جُسيْم وموجة في آن؟ وماذا في الدماغ غير إشارات كهربائية وشيء من الكيمياء؟
 لزوم ما يلزم: النتيجة التفاؤلية: إذا كان الاتصال مباشراً بين الاصطناعي والبيولوجي، فستكون الخوارزميات وفيزياء الكمّ، همزة الوصل والوصال.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"