عادي

سوريا.. عودة عربية من بوابة الأردن

23:19 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد فراج أبو النور*

شهدت الأسابيع الأخيرة تطورات مهمة متلاحقة في اتجاه الانفتاح العربي المتزايد على سوريا، ولا يكاد يمر يوم دون أن تحمل وسائل الإعلام خبراً عن تطور جديد في هذا الاتجاه، بين اتصالات دبلوماسية مكثفة، واجتماعات وزيارات رفيعة المستوى ذات طابع اقتصادي، أو عسكري - أمني، الأمر الذي يجعل المراقبين يتوقعون قرب عودة سوريا إلى الحضن العربي، وإلى احتلال مقعدها في جامعة الدول العربية بعد غياب عشر سنوات.

آخر هذه الأخبار كان يتعلق باتصال هاتفي أجراه الرئيس السوري بشار الأسد بالعاهل الأردني عبدالله الثاني (3 أكتوبر/تشرين الأول الجاري) للمرة الأولى منذ عام 2011. وأعرب العاهل الأردني خلال الاتصال عن دعم الأردن «لاستقلال سوريا ووحدة أراضيها وشعبها». وكان قد سبق الاتصال بأيام قرار أردني باستئناف الرحلات الجوية بين عمّان ودمشق، وفتح الحدود بين البلدين، واستئناف حركة الركاب والسلع بينهما عبر معبر «جابر- نصيب» الذي يعد بوابة سوريا للتجارة مع الأردن ودول الخليج العربية.

كما كان قد سبق هذا القرار بعدة أيام زيارة قام بها العماد علي أيوب وزير الدفاع السوري إلى الأردن؛ حيث التقى رئيس الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأردنية اللواء علي الحنيطي (28 سبتمبر/ أيلول المنصرم) ناقشا فيه أمن الحدود المشتركة، وقضايا مكافحة الإرهاب، وتهريب المخدرات «والتنسيق المستقبلي حول جميع القضايا المشتركة». كما زار عمّان وفد اقتصادي سوري رفيع المستوى لمناقشة قضايا التعاون الاقتصادي بين البلدين، واجتمع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بنظيره الأردني أيمن الصفدي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

وبناء على هذه الاتصالات المكثفة والمثمرة يتوقع الكثير من المراقبين أن يقوم العاهل الأردني عبدالله الثاني بزيارة إلى دمشق قريباً.

إنقاذ للبنان.. ومكاسب لسوريا

ومعروف أن العاصمة الأردنية عمّان كانت قد شهدت في أوائل الشهر الماضي (8 سبتمبر/أيلول) اجتماعاً لوزراء النفط والطاقة في كل من مصر والأردن وسوريا ولبنان، لمناقشة إجراءات تنفيذ خطة لإمداد لبنان بالغاز من مصر «عبر الأردن وسوريا» وبالكهرباء من الأردن «عبر سوريا» والمقرر أن يتم إنتاجها بكميات إضافية من إمدادات الغاز المصري، وقد تبنت الولايات المتحدة الخطة بناء على اقتراح مصري - أردني، كما تدعم واشنطن تمويلها من خلال البنك الدولي، وتهدف الخطة لإنقاذ الاقتصاد اللبناني من الانهيار بسبب النقص الفادح في إمدادات الكهرباء والوقود، بما يمكن أن يترتب على هذا الانهيار من فوضى ونتائج كارثية على المنطقة، كما تهدف إلى قطع الطريق على إمدادات النفط الروسية والإيرانية لكل من سوريا ولبنان.

وبدهي أن الخطة بكل تفاصيلها تمثل صدعاً كبيراً في جدران الحصار الأمريكي الخانق لسوريا سواء بمقتضى «قانون قيصر» أو غيره من حزم العقوبات الاقتصادية الأمريكية والغربية القاسية على سوريا. وهي تعبر عن تراخٍ واضح في الإصرار الأمريكي على خنق الاقتصاد السوري، ويجيء ذلك في إطار اتجاه واشنطن للتخلي عن وجودها العسكري المباشر في الشرق الأوسط، وتركيز ثقلها الاستراتيجي في شرق آسيا، لمواجهة الصعود الصيني، وهو ما تمثل في الانسحاب الأمريكي والأطلسي من أفغانستان، وقرار سحب الوحدات الأمريكية المقاتلة من العراق، الأمر الذي يضعف وجود القوات الأمريكية في سوريا قتالياً ولوجستياً، ويجعل التفكير في سحبها مرجحاً.

كما يأتي هذا التوجه في ظل الانتصارات الكبيرة التي حققها الجيش السوري على الإرهاب، وسيطرة القوات السورية على نحو (70%) من أراضي البلاد - بما في ذلك السيطرة على «درعا البلد» وأريافها لما لهذه المنطقة من أهمية استراتيجية كبيرة لوقوعها بمحاذاة الحدود الأردنية والإسرائيلية.

ونتيجة لذلك كله، كان مفهوماً أن توافق واشنطن على مرور إمداد الغاز والكهرباء إلى لبنان عبر سوريا، بما يمثله ذلك من كسب سياسي؛ ذلك أن سوريا سوف تحصل على رسوم «الترانزيت» مقابل مرور الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان.. علماً بأن الاتفاق القديم حول «الخط العربي» - من مصر إلى الأردن وسوريا ولبنان- يتيح لدمشق الحصول على رسوم «الترانزيت» في صورة كميات من الغاز، وهو المرجح أن يحدث في ظل احتياجها الكبير لموارد الطاقة، ما دامت منطقة الفرات تحت السيطرة الأمريكية، إلى أن تتم التسوية وانسحاب تلك القوات.

مكاسب سياسية واقتصادية

والواقع أن خطة إمداد لبنان بالغاز والكهرباء تحقق لأطرافها الأربعة مكاسب سياسية بالغة الأهمية؛ بل يمكن القول إنها ذات بعد استراتيجي إضافة إلى مكاسبها الاقتصادية الواضحة، فهي بالنسبة لمصر والأردن تحقق مكسباً بالغ الأهمية من زاوية المكانة والدور الإقليمي، فالغاز «المنقذ» مصري، والأردن هو دولة العبور الأولى لذلك الغاز، وتنتج الكهرباء الإضافية المطلوبة بإلحاح لإنقاذ الاقتصاد اللبناني.

والقاهرة وعمّان لعبتا دوراً مهماً في الاتصالات بالطرفين الأمريكي والروسي، تمهيداً للخطة في إطار تفاهمات أمريكية- روسية حول سوريا ولبنان؛ إذ تسهم تلك التفاهمات في إنقاذ اقتصاد البلدين، وتعيد العلاقات الطبيعية للبنان بسوريا جارته وشريكته الاقتصادية التاريخية «بصورة رسمية» بعيداً عن العقوبات، بعد سنوات من «النأي بالنفس» عنها.

أما سوريا فتكسر دائرة الحصار الأمريكي والغربي الخانق. وتنال اعترافاً عملياً بفشل «قانون قيصر» وهو ما سيمهد لمكاسب أكبر على المستويين العربي والدولي من زاوية تعزيز شرعية حكم الرئيس الأسد، واقتراب عودتها إلى جامعة الدول العربية، وكذلك من زاوية تسهيل التقدم في اتجاه التوصل إلى تسوية، والسير في طريق إعادة الإعمار.

ونعتقد أن الزيارة المتوقعة من جانب العاهل الأردني إلى سوريا، ستفتح الباب أمام اتصالات عربية أرفع مستوى بسوريا، خاصة بعد اجتماعي وزيري الخارجية المصري والسوري الأخير على هامش اجتماعات الأمم المتحدة.. والزيارة التي من المقرر أن يقوم بها الوزير سامح شكري لموسكو بدعوة من لافروف، والتي تشير الشواهد إلى أنها وثيقة الصلة بالتسوية في سوريا، وبدور مصري في هذه التسوية، وفي تلطيف الأجواء العربية تجاه دمشق. وهو ما يسمح القول بتوقع عودة قريبة لدمشق إلى الجامعة، وحضور سوريا القمة العربية المقبلة، وعودة سوريا الكاملة إلى الحضن العربي.

* كاتب مصري
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"